قال: فأما صلاح الحال هو حسن الفعل مع فضيلة وطولٍ من العمر وحياة لذيذة مع السلامة والسعة في المال وحسن الحال عند الناس مع تحصيل الأَشياء الحافظة لهذه الأَشياء والفاعلة لها. وقد يشهد إِن هذا هو رسم صلاح الحال المشهور إِن جميع الناس يرون إِن صلاح الحال هو هذا أو شيء قريب من هذا. وإِذا كان صلاح الحال هو هذا، فأجزاؤه هي كرم الحسب وكثرة الإِخوان والأَولاد واليسار وحسن الفعل والشيخوخة الصالحة، وفضائل الجسد، مثل الصحة والجمال والجلد والجزالة والبطش والمجد والجلالة والسعادة والفضيلة، وأجزاؤها مثل العقل والشجاعة والعفاف والعدالة والبر. فإِنه هكذا أحرى إِن يكون الإِنسان موفورا مكفيا، أعني إِذا كانت له الخيرات الموجودة من خارج والخيرات الموجودة فيه النفسانية والجسدانية. والتي من خارج هي الحسب والإِخوان والمال والكرامة. وقد يظن أنه يُعَد مع هذه نفوذ الأَمر والنهي والاتفاقات الجميلة وهي المسماة عند الناس سعادة. فإِن بهذه الأَشياءِ تكون حياة المرء في سيرته حياة من لا ينقصه شيء من خارج ولا يشوب خيره شيء مضاد. وإِذا كان هذا هكذا، فيجب إِن ننظر في كل واحد من هذه ما هو بحسب النظر المقصود هنا وهو النظر المشهور. فأما الحسب فهو إِن يكون القوم اللذين هو منهم هم أول من نزل المدينة أو يكونوا قدماء النزول فيها، ويكونوا مع هذا حكاما أو رؤساء ذوي ذكر جميل وكثرة عدد، وأن يكونوا مع هذا أحرارا لم يجز عليهم سِباء، أو يكونوا ممن نال الأُمور الجميلة المغبوطة عند الناس، وإِن لم يكونوا حكاما ولا رؤساء. فأما النظر في الحسب هل هو من الرجال فقط أو من النساءِ، فالظاهر من ذلك والمتفق عليه عند الجميع أنه يكون أتم إِذا كان من كليهما. وينبغي إِن يستعمل الخطيب من ذلك المشهور في أمة أمة. ومن شروط الحسب إِن يكون الرؤساءُ والأَحرار من أولئك القوم اللذين شهروا بالفضيلة واليسار وغير ذلك من المكرمات لم ينقطع وجودهم في القوم الذين هو منهم إِلى وجوده هو، بل يوجد في ذلك الجنس أبداً أشياخ بهذه الصفة يخلفهم غلمان في تلك الخصال. فإِنه إِن انقطع الشرف في ذلك الجنس الذي هو منهم لم يكن حسيبا. وإِن لم ينقطع منهم فهو حسيب، وإِن انقطع فيمن ولد منهم.
وأما حسن الحال بالأَولاد وكثرتهم فهو مما لا خفاء به. وحسنالحال بالأَولاد المشترك للجميع هو كثرة الغلمان وصلاحهم في فضائل الجسد وفضائل النفس. أما في فضائل الجسد فبأربع: إِحداها الجزالة وهي إِن تكون خلقهم خلقا طبيعية يفوقون فيها كثيرا من الناس. والثانية الجمال، والثالثة الشدة، والرابعة البطش. فبهذه الأَربع يكون الغلمان صالحين في فضائل أجسامهم. وأما فضائل النفس فيكونون صالحين باثنتين: بالعفاف والشجاعة. وأما ما قد يكون به صلاح حال بعض الناس فكثرة الأَولاد من الذكور والإِناث. وصلاح الحال بالإِناث أيضا يكون بفضيلتين في الجسد والنفس. أما في الجسد فاثنتان: العبالة وهو عظم الأَعضاء العظم الطبيعي وكثرة اللحم الطبيعي لا اللون، والجمال. وأما في النفس فثلاث: العفاف وحب الأُلفة وحب الكد. فإِن بهذه الفضائل يكمل المنزل. وهذه الفضائل التي قلنا سبيلها إِن توجد في النساء كلهن اللاتي من نسب ذلك الرجل على العموم، وفي الرجال كلهم على العموم، وفي أولاده الذكور خاصة إِذ كان الولد به ألصق.
وقد ينبغي للخطيب إِن ينظر هل الفضائل في الأُمة التي هو منها هي هذه الفضائل عندهم، أعني في أولادهم، أم ليس هي هذه. فإِن كثيرا من الأمم يربون أولادهم الذكور والإِناث بالزينة والسمن. وهؤلاءِ يقول فيهم أرسطو إِنه قد فاتهم النصف من صلاح الحال بالأَبناءِ.
فأما أجزاءُ اليسار بكثرة الدنانير والأرضين والعقار والأَثاث والأَمتعة والمواشي وجميع الأَشياءِ المختلفة في النوع والجنس، وكل ذلك إِذا كانت هذه الأَشياءُ في حفظ ومع حرية، وأن يكون فيها متمتعا، أي ملتذا، لا حافظا لها فقط أو منميا.
قال: ومن الأُمور النافعة في اليسار والفاعلة له الأَشجار المثمرة والغلات من كل شيءٍ، واللذيذ من هذه هو ما يجنى بغير تعب ولا نفقة. وحد الحفظ والإِحراز للمال هو إِن يكون في الموضع الذي لا يتعذر منه عليه، وأن يكون بالحال التي يمكن إِن ينتفع بها، مثل إِن كانت أرضا ألا تكون سبخة، وإِن كان فرساً ألا يكون جموحاً.