للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وحد الحرية في المال إِن يكون إِليه التصرف في المال بالإِعطاء والبيع والشراءِ. وأما التنعم بالمال فهو استعماله على طريق التلذذ به، وإِنما اشترط في الغناء هذا الشرط لأنه إِن يكون الغنى في استعمال المال أحرى منه إِن يكون في اقتنائه. لأَن الاقتناء هو فاعل الغنى. وأما الاستعمال فهو الغنى بعينه.

وأما حسن الفعل على الرأي والصواب فهو الذي يظنه الكل فاضلا، وهو الذي يغتني الشيء الذي يتشوقه الأًكثر لا محالة أو الأَخبار من الناس وذوو الكَيْس والفطنة.

قال: وأما الكرامة فإِنها في زماننا هذا للمعتني بحسن الفعل. وإِكرام الناس اللذين لهم العناية الحسنة بهم هي مكافأة على طريق العدل والحق، إِذ كانت هذه الأَفعال ليس تكافئها الدنانير والدراهم. وليس يكرم اللذين لهم العناية الحسنة بالناس فقط، بل واللذين يستطيعون إِن تكون لهم العناية الحسنة، أعني اللذين لهم قوة على ذلك وإِن لم يفعلوا ذلك في حال الإِكرام. والعناية بالناس التي تستوجب الكرامة هي العناية بتخليصهم من الشرور التي ليس التخلص منها بهين، أو إِفادتهم الخيرات التي ليس إِفادتها بالسهل. وهذه الأفعال الجميلة هي التي تكون عن الغنى أو السلطان أو ما أشبه ذلك مما يكون للإِنسان به القدرة على أمثال هذه الأفعال. وقد يكرم كثير من الناس على خيرات يسيرة لكنها تكون كثيرة بالإِضافة إِلى ذلك الزمان وإِلى تلك الحال. فكأن الكرامة على الأشياءِ اليسيرة هي بالعرض، أي من جهة ما عرض لتلك الأشياءِ إِن تكون كثيرة بالإضافة إلى ذلك الوقت أو الحال.

وأما الأشياءُ التي تكون بها الكرامة فمنها مشتركة لجميع الأُمم ومنها خاصة. فالجاصة مثل الذبائح والقرابين التي كانت قد جرت عادة اليونانيين إِن يكرموا الأموات، ومنها عامة وهي المراتب في المجالس والمسارعة إلى أقواله وترك مخالفته والهداية التي توجب المحبة والقرب. فإِن الهدية جمعت أمرين: بذل المال والكرامة، ولذلك كانت مستحبة لجميع الناس، وكل إِنسان يجد فيها ما يتشوقه. وذلك إِن الناس ثلاثة أصناف: إِما صنف يحب الكرامة، وإِما صنف يحب المال، وإِما صنف جمع الأمرين. والهدية قد جمعت متشوق هذه الأصناف الثلاثة.

قال: وأما فضيلة الجسد فالصحة وذلك إِن يكونوا عريين من الأَسقام ألبتة وأن يستعملوا أبدانهم، لأَن من لا يستعمل صحته فليس تغبط نفسه بالصحة، أي ليس هو حسن الحال بها وهو بعيد من جميع الأَفعال الإِنسانية أو من أكثرها.

قال: وأما الحسن فإِنه مختلف باختلاف أصناف الأَسنان. فحسن الغلمان وجمالهم هو إِن تكون أبدانهم وخلقهم بهيئة يعسر بها قبولهم الآلام والانفعال أي لا يكونون غير محتملين للأَذى وأن يكونوا بحيث يستلذ إِن ينظر إِليهم عند الجري أو الغلبة.

قال: ولذلك ما يرى الناس الغلمان الذين هم مهيئون نحو الخمس المزاولات واللعبات حسانا جدا. ونعني بالخمس المزاولات واللعبات الأَشياء التي كان اليونانيون يروضون بها صبيانهم، وهي العدو والركوب والمثاقفة والصراع والملاكزة.

قال: وإِنما كان الناس يرون فيمن كان مهيئا نحو هذه الأَفعال الخمسة أنه جميل لأَنه مهيأ بها نحو الخفة والغلبة. وإِذا شب هؤلاءِ الغلمان كانوا لذيذي المنظر عند العمل في الحرب، وذلك بحسب الهيئة التي كانوا معدين بها نحو الحرب. وأما الشيوخ فجمالهم هو أستلذاذ أفعالهم في الأَعمال التي هي جد، وهي التي من أجلها يراض الصبيان على هذه اللعبات الخمس، وهي الحروب، وأن يكونوا مع ذلك يرون غير ذوي أحزان ولا غم، وذلك إِن الحزن والغم إِذا ظهر بالشيخ ظن به إِن ذلك الطارئ الذي طرأ عليه مما يضر في شيخوخته، مثل الفقر أو الهوان أو غير ذلك.

قال: وأما البطش فإِنه قوة يحرك المرءُ بها غيره كيف شاءَ. فإِنه إِذا جذب غيره أو دفعه أو أشاله أو أخرجه أو ضغطه، وكان هذا الفعل منه بكل من يتصدى له أو بأكثرهم، فهو ذو بطش.

قال: وأما فضيلة الضخامة فهو إِن يفوت كثيراً من الناس ويجاوزهم في الطول والعرض والعمق، وتكون مع ضخامته حركاتُه غير متكلفة لجودة هذه الفضيلة. وتكون ضخامته ليس سببها سمنا ولا أمراً مكتسبا.

<<  <   >  >>