قال: والغلبة لذيذة ليس لمحبي الغلبة فقط بل المكل، لأَن الغلبة هي شوق ما إِلى الشرف، أَعني أ، يكون له فضل ما معروف عند الناس، والشرف يشتهيه الكل، وإِن كانوا يختلفون في ذلك بالأَقل والأَكثر. وإِذا كانت الغلبة لذيذة، فإِن الآداب والرياضيات التي تكون لمكان الغلبة لذيذة أَيضا، إِذ كانت نافعة في أَن يَنال بها اللذة، لأَن الغلبة بها تكون أَكثر ذلك، وذلك كاللعب بالكرة والمثاقفة والشطرنج والنرد والحذق بجميع الآداب المخرجة، أَعني الرياضيات التي يقصد بها تحصيل ملكة ما. وهذه الآداب المخرجة على صنفين: منها ما ليس يكون لذيذا من ساعته حتى يعتاده المرءُ فيكون لذيذا من قبل العادة، وهي الآداب التي ليس تلزمها اللذة التي تلزم الملكة الحاصلة بأَخرة عن تلك عن تلك الآداب، بل إِنما يلزمها من أَول الأَمر التعب فقط كالتأَدب بالحكمة؛ ومنها ما يكون لذيذا من ساعته مثل التصيد واللعب بالشطرنج، فإِن المبتدئ فيها يشارك الحاذق فيها، أَعني في الغاية التي يقصدها وهي الغلبة، فيلتذ بديا من أَول الأَمر، كما يلتذ الكامل فيها. والغلبة بالعدل لذيذة. والغلبة التي تكون بالمشاغبة والتمويه لذيذة عند السوفسطائيين الذين اعتادوا أَن ينالوا بذلك مقاصدهم وهممهم، أَعني من الخيرات الخارجة، مثل اليسار والكرامة. ومن الأُمور اللذيذة والجلالة، من قبل أَن الإِكرام يخيل للمكرم في نفسه أَنه فاضل أَو ممن يجتهد في الفضيلة إِذا صدر الإِكرام ممن شأْنه أَن يوقع بإِكرامه للمكرم مثل هذا الظن بنفسه والتخيل، أَعني أَن يتخيل أَنه فاضل. والحضور من المكرمين أَحرى بهذا الفعل من الغيوب. إِذ كان الحضور يشاهدون من أَمره مالا يشاهده الغيوب. فلذلك إِذا أَكرموا أَحداً، خيل للإِنسان المكرم أَنهم أَكرموه من قبل فضيلة عرفوها فيه. وإِكرام العارف أَحرى بهذا من إِكرام من ليس يعرف المكرم، لهذا المعنى بعينه. وأَهل مدينته أَحرى بذلك من الأَباعد. والموجودون أَحرى بذلك من الذين يأتون من بعد، أَعني الذين يكرمونه في حياته أَحرى بهذا المعنى من الذين يكرمونه بعد موته. وإِكرام الأَكثر من الناس أَحرى بهذا المعنى من الأَقل. فإِن هولاءِ الأَصناف من الناس أَحرى أَن يصدق قولهم في ذي العقل واللب من الناس وشهادتهم فيه أنفع من الأَصناف الذين يتنزلون من الناس منزلة الأَطفال والبهائم وهم الجهال والعوام. ولذلك ليس أَحد يعتد بتكرمة هؤلاءِ لأَحد ولا يحمد أَحد بذلك إِلا يظن أَن ذلك منهم لمكان حسن الطاعة أَو الخوف منه.
والأَحباءُ أَيضا من اللذيذات، لأَن المحبة لذيذة. وكل من يحب شيئا فهو يستلذه. ولذلك لا يستلذ الخمر أَحد لا يحبها. والسبب في ذلك أ، المحبوب هو عند الحب من جملة الخير الذي يتشوقه الكل، وأَعني بالكل الذين يحسون ويتخيلون. وأَن يكون الإِنسان محبوباً مقرباً من أَجل نفسه، لا من أَجل آخر، لذيذ عند الإِنسان المحبوب، أَعني أَن يحب من أَجل نفسه. وكذلك أَن يكون الإِنسان عجيبا عند غيره، أَي يتعجب منه الغير، لذيذ أَيضا من أَجل هذه العلة، أَني من أَجل الخير الذي يتشوقه الكل. لأَنه إِنما يتعجب منهإِذا انفرد بخيرٍ سبيلُه أَلا يكون في الأَكثر. وذلك أن الشيْ الذي يفضل به على الأَكثر هو لذيذ. والذين يقصدون أَن يتعجب منهم هم أَمثال القوم الذين يجمعون الناس ليروا ما يعملونه من تكلف الأَشياءِ العجيبة والأُمور الفاضلة.
قال: والتملق أَيضا لذيذ، لأَن المتملق يخيل للإِنسان أَنه يتعجب منه، وأَنه ممن يحبه. فالمتملق هو محب مُراء أَو مُعظم مُراء. وتكرير الشيء الواحد بعينه يستلذ، لأَنه بتكرره يستولي على النفس. والمعتاد مستلذ. والتبدل والتنقل من حال إِلى حال لذيذ بالطبع، لأَنه يستفيد به إِحساس شيء جديد. ولذلك ما توجد الأَشياءُ التي تحدث في العالم بالطبع وقتا بعد وقت لذيذة، مثل انتقال الفصول وتغير الدول. وبالجملة: التغييرات التي تحدث بالناس وتغير الناس. والسبب في هذا أَن الشيء الحاضر هو في حد ما قد استوفت النفوس منه حاجتها، ولم يبق لها فيه شيء تستفيده ولا سيما إِذا طال وجوده، فتطلب النفس أَن تستريح إِلى شيء جديد تستفيد منه ما ليس عندها. وكل ما كان الحادث كونه أَقل في الزمن، فهو أَلذ.