وأَما الذين يضر بهم الجائرون وهم المظلومون بالطبع، أَعني الذين يطمع فيهم أَهل الشر، فهم الذين يجهلون ما يفعل بهم فلا يرون أَنه جورٌ، أَو الذين ينسون ما يفعل بهم من الجور بسرعة، وإِن لم يجهلوه، وما أَشبه هؤلاءِ من الذين لا إِخوان لهم أَو لهم إِخوان فقراء. والجور الذي يكون في المال إِنما بمن يقع بمن عنده مال، إِذا كان في ذلك المال الشيءُ الذي يحتاج إِليه الجائر، وذلك إِما لموضع الضرورة إِن كان فقيرا أَو لموضع الشره إِن كان غنيا قصده جمع المال فقط أَو لموضع التنعيم إِن كان قصده إِنفاق المال والتمتع به. والمسوفون بطلب حقوقهم يقع بهم الجور كثيرا، وكذلك القرابة والإِخوان، وذلك أَن المرءَ لا يتحفظ من صديقه. وإِذا جار عليه فقد يجهل أَنه جار عليه. فجميع هؤلاءِ الأَصناف يمنعهم من الانتقام من الجائر إِما عدم الناصر كالفقر وعدم الإِخوان، وإِما تسويف الانتقام وتأْخيره. ولذلك كثيرا ما ينجح الذين يسلبون أَقرباءَهم حين يجهلون جورهم من أَول الأَمر حتى يدرس وينسى.
والصنف من الناس المتوَقَّين من الشر المتباعدين منه الذين يصونون أَنفسهم عن أَن يبتذلوها في الخصومات كثيرا ما يجار عليهم.