قال: والسكون هو عدم الغضب أَو فتوره. وإِذا كان الغضب إِنما سببه التهاون الذي يكون بالمشيئة والطوْع، فهو بيّن أَن الذينلا يتهاونون - وإِن تهاونوا، فبكره، أَو بغير روية - أَو الذين يظنون أَنهم بهذه الحال، أَنه لا يغضب عليهم؛ وإِن غضب عليهم، فيكون عنهم سكون الغضب سريعا. وقد يكون سكون الغضب بأَن يفعل بالغاضب آلام ومكاره تنسيه الاحتقار به الذي كان سبب غضبه على جهة القصد والتعمد لذلك. وهذا إِنما يفعله الدهاة ذوو الشرور العظيمة. ومما يفعل السكون أَن يفعل المرءُ بنفسه الأَشياء التي ظنها الغاضب احتقارا به. فإِن هذا يوهم فيه أَنه ليس يرى فيها أَنها احتقار، إِذ كان أَحد لا يرى أَنه محتقر لنفسه.
قال: ومما يفعل الكون الاعتراف بالذنب أَو أَن يجعل على نفسه أَلا يعود إِليه وهو المسمى عندنا توبة، أَو أَن ينقلب إِلى ضد الاستهانة وهو الإِجلال. وإِنما كان الاعتراف مسكنا للغضب لأَنه يوجب العقوبة. ووجوب العقوبة مما يفتر الاهتمام بما فعل والارتماض له. وذلك بيّن عند مشاهدة المعاقبات المحسوسة، فإِنا قد نعاقب أَكثر ذلك بشدة وزيادة الذين يجحدون ويحتجون عن أَنفسهم. فأَما الذين يقرون ويعترفون أَن العقوبة النازلة بهم عدل، فقد يفتر الغضب عن هؤلاءِ. وأَيضا فإِنه قد تكون علة الجحود للأَمر الظاهر وقاحة الوجه والصلف. والوَقاح مستهزيء مستهين. فإِن الذين لا يُستحى منهم ليس لهم قدر، فيشتد الغضب لذلك على الجاحد. وأَيضا فإِن الإِقرار ذلة واعتراف بالنقيصة، وهذا يتنزل منزلة العقوبة الواقعة بهم. وأَما الذين لا يعترفون فإِنهم يرون غير خائفين ولا متذللين للغاضب عليهم. وذلك مما يخيل فيه الاستهانة بالغاضب عليهم.
قال: وقد يدل على أَن الغضب يفتر عن الذين يذلون ويتواضعون ما يظهر من فعل الكلاب، وذلك أَنه تكف عن الناس الجلوس والمتدين وتنهش المستعجلين. وقد تأْتي مواضع ليس يظن بالجحود فيها أَنه استهانة بل دعوى الحق، وذلك إِذا لم يكن الذنب ظاهراً.
قال: ومن الأَصناف الذين لا يغضب عليهم، أَو شأْن الغضب أَن يفتر عنهم، الصنف من الناس الذين هم طيبو النفوس، سلسو القياد، حسنو الخلق يحتملون، وهم الذين يسميهم أرسطو مفراحين. والصنف المحتاج أَيضا يقل الغضب عليه لمكان الرحمة له، إِذ كانت الحاجة النازلة به بمنزلة العقوبة. والصنف من الناس الذين يستعفون من الخصومات ويتفادون من المنازعات، فإِنه أَيضا يسكن الغضب عنهم لمكان الذلة والتواضع الموجود فيهم. والذين لا يشتمون أَحدا ولا يطنزون به ولا يحتقرونه. أَو الذين إِن فعلوا ذلك فعلوه في الأَقل فليس يغضب عليهم. وإِن غضب، فيسكن الغضب عنهم سريعا.
قال: وبالجملة فينبغي أَن تؤخذ مسكنات الغضب وذلك في الأَكثر من أَضدادها التي عددت قبل في باب الغضب.
قال: والذين يُهابُون أَو يَستحى منهم لا يُغضب عليهم ما داموا بهذه الحال، لأَنه لا يمكن أَن يغضب المرءُ على إِنسان ما ويخافه معا في حال واحدة. والذين فعلوا الاحتقار والاستهانة بالمرءِ في حال غضبهم عليه، فإِما أَلا يغضب عليهم، وإِما إِن غضب عليهم فيسير، لأَن الغاضب على إِنسان ما ليس يظن به أَنه يحتقره، ويغضب عليه معا. وذلك أَن الاحتقار ليس فيه أَذى للمحتقر سواء كانت فيه لذة أَو لم تكن. وأَما الغضب فهو لذة مع أَذى كما تقدم في حَده. والإِنسان المغضوب عليه فقد يسكن الغضب عنه أَن يكون يستحي مما فعل.