قال: والأَحوال التي يكون فيها الغضب قبيحا أَو غير جميل، فأَما أَلا يغضب فيها الإِنسان من الأَشياءِ المغضبة الواردة عليه من خارج، وإِما إِن غضب فيسكن غضبه سريعا، وذلك كأَفعال الاحتقار التي يؤدب ويعلم بها الإِنسان مثل انتهار المتعلم، ومثل أَفعال الاحتقار التي يقصد بها المزح في الحالة التي يكون المقصود منها المزح، أَو التي يقصد بها اللهو في الحالة أَيضا التي يكون المقصود منها اللهو. والفرق بين المزح واللهو عند أَرسطو أَن المزاح يقصد به تطييب نفس الممزوح به، لا أَن ينال بذلك المازح لذة. واللهو يقصد به أَن يلتذ اللاهي لا الملهو به. ولذلك يمزح الأَخيار ولا يلهون. وكذلك أَيضا أَفعال الاحتقار التي يقصد بها التأْنيب والموعظة عند الزلات والعوارض الرديئة. ومنها أَيضا سد الخلة بالشيءِ اليسير المحتقر، فإِن المحتاج لا يغضب منه إِذا كان فيه سد خلته، ولو كان نزراً محتقراً.
قال: وبالجملة فكل فعل من أَفعال الاحتقار أَو المحتقر إِذا لم يقترن به أَذى للمحتقر به ولا لذة قبيحة، أَو اقترن به رجاء وأَمل فليس يغضب منه. فمثال ما لا يقترن به أَذى الاحتقار الذي يؤدب به. ومثال ما لا يقترن به لذة قبيحة المزاح الذي لا يخرج إِلى الفحش. ومثال ما يقترن به حسن رجاء سد الخلة.
قال: وإِذا طال الزمان ولم يتكرر من المغضوب عليه فعل يوجب تجدد الغضب، فقد يسكن طول الزمان الغضب.
قال: ومما يسكن الغضب العظيم الأَخذ بالثأْر إِما أَولا فمن الجاني نفسه وإِما ثانيا فممن يتصل بالجاني. وربما لم يسكن الغضب أَخذ الثأْر من الجاني الأَول حتى يأْخذه ممن يتصل به، إِذا لم ير الجاني الأَول كفؤا له، ورأَى أَن من يتصل به هو كفؤ له. ولذلك ربما ترك الجاني نفسه وأَخذ الثأْر ممن يتصل به. وقد يسكن الغضب الانتقام من غير الظالم ومن غير من يتصل به بل ممن اتفق من الناس. وكذلك قد يسكن الغضب نزول الشرور العظيمة بالجانين، وإِن لم يكن ذلك من قبل المجني عليهم، لأَنهم يرون كأَنهم قد أَدركوا ثأْرهم.
قال: والذين يعتقدون في أَنفسهم أَنهم ظالمون فليس يغضبون من الأَفعال الواردة عليهم من المظلومين، لأَنهم يرون أَو تلك الأَفعال هي عدل، والعدل لا يغضب منه.
قال: ولذلك ما ينبغي أَن يتقدم المعاقِب أَولا فيبين بالقول أَن المعاقَب ظالم، وحينئذ يعاقب. فإِنه إِذا كان الأَمر كذلك، لم يلحقه أَذى من المعاقَب.
وقد ينفق في أَفراد من الناس وهم الشرار والعبيد العُتاة أَن يعلموا أَنهم ظالمون، ولكن مع ذلك يغضبون ويتذمرون، وإِنْ كانت العقوبة التي نالتهم بعدل، لأَن هؤلاءِ لا يرون أَن ينالهم أَذى.
والذين لا يشعرون بالاحتقار والضيم النازل بهم لا يغضبون أَيضا. وهذا قد يعرض من قبل الجهل، وقد يعرض من قبل كبر النفس لأَنهم يرون أَن الأَفعال التي يضامون بها ويحقرون ليس هي مما يوجب لهم تحقيرا. ولذلك قد يختبر كبار النفوس بأَن يسلب عنهم كثير من أَفعال الفضائل التي تنسب إِليهم ليرى كيف تأَثرهم عن ذلك، فإِنه كلما كان الفعل المسلوب عنه أَكبر ولم يغضب منه، كان أَدل على كبر نفسه.
قال: ولموضع هذا لما أَراد فلان أَن يختبر كبر نفس فلان لرجل معروف عندهم بكبر النفس، قال له إِنك لست معدوداً في فتاحي المدائن، ليعلم هل يغضب من ذلك أَم لا. وبالجملة فكل من لا يتأَذى بالاحتقار إِما من قبل صغر قدر المحتقر وإِما من قبل كبر قدر المحتقر به. والمستضام فإِنه لا يغضب، لأَن الغضب قد قيل في حده إِنه أَذى مع شوق إِلى الانتقام. والهالكون لا يغضب عليهم لأَنهم قد صاروا إِلى شر أَعظم من الشر المؤمل فيهم.
قال: ولذلك ما استعمل أُوميروش هذا المعنى في تسكين غضب فلان على فلان لناس مشهورين عندهم بأَن قال في المغضوب عليه: إِنه الآن معانق للأَرض البكماءِ التي لا يفارقها أَبدا. وإِنما كان الأَمر هكذا لأَن الذي تنزل به مصيبة الموت يرثى له، إِذ كانت أَعظم المصائب. ولهذا الذي قاله ينبغي أَن يعتقد أَن الناس الذين لا يكفون عن الأَموات، إِذا لم يكن من يتصل بهم ممن يغضب عليه أَو ينافس في دنيا، أَنهم من شر الناس.
قال: فقد تبين أَن الذين يريدون أَن يسكنوا الغضب أَو يفتروه أَن من هذه المواضع ينبغي أَن يأْخذوا المقدمات المسكنة له، أَعني جزئيات هذه المواضع.