للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الثاني: مراتب القدر والأدلة على كل مرتبة]

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وتؤمن الفرقة الناجية - أهل السنة والجماعة- بالقدر خيره وشره. والإيمان بالقدر على درجتين، كل درجة تتضمن شيئين:

فالدرجة الأولى: الإيمان بأن الله تعالى عليم بما الخلق عاملون بعلمه القديم، الذي هو موصوف به أزلاً وأبداً، وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال، ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق ... ثم قال

وأما الدرجة الثانية: فهو مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة، وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان، وما لم يشاء لم يكن، وأنه ما في السموات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى، لا يكون في ملكه ما لا يريد، وأنه سبحانه على كل شيء قدير، من الموجودات والمعدومات، فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه، ولا خالق غيره، ولا رب سواه) (١).

فعلى هذا مراتب القدر أربعة، هي:

[المرتبة الأولى: العلم]

وهو أن الله سبحانه وتعالى علم الأشياء كلها قبل وجودها بعلمه الأزلي، وعلم مقاديرها، وأزمانها، وآجال العباد، وأرزاقهم وغير ذلك، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٢)} [العنكبوت: ٦٢]، وقال تعالى: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (١٢)} [الطلاق: ١٢]، (أي لتعلموا كمال قدرته وإحاطته بالأشياء، وهو معنى {وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (١٢)}، فلا يخرج عن علمه شيء منها كائنا ما كان) (٢).

وقال تعالى: {(٥٨) وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ} [الأنعام: ٥٩]، ومفاتح الغيب فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها خمس لا يعلمها إلا الله وهي المذكورة في قوله تعالى: {اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤)} [لقمان: ٣٤] (٣).


(١) ابن تيمية، العقيدة الواسطية، ص (٢٢ - ٢٣)، شرح الشيخ محمد بن مانع، مكتبة النهضة الحديثة.
(٢) فتح القدير، للشوكاني، ص (٥/ ٢٤٨)، طبعة دار الفكر، بيروت، ١٤٠٣ هـ.
(٣) الحديث رواه البخاري: كتاب التفسير-سورة الأنعام، باب {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} وفي تفسير سورة لقمان، باب {إن الله عنده علم الساعة} (٨/ ٢٩١، ٨/ ٥١٣ - فتح الباري)، تصحيح الشيخ عبد العزيز بن باز، دار الفكر.

<<  <   >  >>