للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[رابعاً: عقيدة أهل السنة والجماعة]

قال الطحاوي رحمه الله مبيناً عقيدة أهل السنة: (خلق الخلق بعلمه، وقدر لهم أقداراً، وضرب لهم آجالاً، ولم يخف عليه شيء قبل أن يخلقهم، وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم، وأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته، وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته، ومشيئته تنفذ، لا مشيئة للعباد إلا ما شاء لهم، فما شاء لهم كان، وما لم يشأ لم يكن، يهدي من يشاء ويعصم ويعافي فضلاً، ويضل من يشاء، ويخذل ويبتلي عدلاً، وكلهم يتقلبون في مشيئته، بين فضله وعدله، وهو متعال عن الأضداد والأنداد، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره، آمنا بذلك كله، وأيقنا أن كلاً من عنده) (١).

ثم قال: (والميثاق الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته حق. وقد علم الله فيما لم يزل عدد من يدخل الجنة، وعدد من يدخل النار جملةً واحدة، فلا يزاد في ذلك العدد، ولا ينقص منه. وكذلك أفعالهم فيما علم منهم أن يفعلوه، وكل ميسر لما خلق له، والأعمال بالخواتيم، والسعيد من سعد بقضاء الله، والشقي من شقي بقضاء الله.

وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظراً وفكراً ووسوسةً، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى في كتابه: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣)} [الأنبياء: ٢٣]، فمن سأل: لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين) (٢).

ثم قال أيضاً: (ونؤمن باللوح والقلم، وبجميع ما فيه قد رقم، فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله تعالى فيه أنه كائن، ليجعلوه غير كائن لم يقدروا عليه، ولو اجتمعوا على شيء لم يكتبه الله تعالى فيه، ليجعلوه كائناً لم يقدروا عليه، جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه.

وعلى العبد أن يعلم أن الله قد سبق علمه في كل كائن من خلقه، فقدر ذلك تقديراً محكماً مبرماً، ليس فيه ناقض، ولا معقب، ولا مزيل، ولا مغير، ولا ناقص، ولا زائد من خلقه في سماواته وأرضه، وذلك من عقد الإيمان، وأصول المعرفة، والاعتراف بتوحيد الله تعالى وربوبيته، كما قال تعالى في كتابه: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (٢)} [الفرقان: ٢]، وقال تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (٣٨)} [الأحزاب: ٣٨]، فويل لمن صار لله تعالى في القدر خصيماً، أحضر للنظر فيه قلباً سقيماً، لقد التمس بوهمه في فحص الغيب سراً كتيماً، وعاد بما قال أفاكاً أثيماً) (٣).


(١) العقيدة الطحاوية للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي، ص ١٢ - ١٣، الطبعة الأولى، تعليق الشيخ عبد العزيز بن باز، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ١٤١٥ هـ.
(٢) العقيدة الطحاوية ص ٢٢ - ٢٣.
(٣) العقيدة الطحاوية ص ٢٦ - ٢٨.

<<  <   >  >>