للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتوكل على الله والاعتماد عليه لا ينافي الأخذ بالأسباب وقد سئل النبي صلى الله عن إسقاط الأسباب نظرا إلى القدر؟ فرد ذلك، وألزم القيام بالأسباب كما في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة، ومقعده من النار. قالوا: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ فقال: لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له» (١).

والموحد المتوكل: لا يلتفت إلى الأسباب، بمعنى أنه لا يطمئن إليها، ولا يرجوها ولا يخافها، فلا يركن إليها. ولا يلتفت إليها - بمعنى أنه لا يسقطها ولا يهملها ويلغيها - بل يكون قائماً بها، ملتفتا إليها، ناظراً إلى مسببها سبحانه ومجريها، فلا يصح التوكل - شرعاً وعقلاً - إلا عليه سبحانه وحده (٢).

وقد أحسن من قال:

سهرت أعين ونامت عيون في شؤون تكون أو لا تكون

إن رباً كفاك بالأمس ما كان سيكفيك في غدٍ ما يكون (٣)

١٩ - من ثمرات الإيمان بالقدر: الحياة الطيبة:

قال الله تعالى: {يَعْمَلُونَ (٩٦) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا} [النحل: ٩٧].

فأخبر تعالى ووعد من جمع بين الإيمان والعمل الصالح، بالحياة الطيبة في هذه الدار، وبالجزاء الحسن في هذه الدار وفي دار القرار.

وسبب ذلك واضح فإن المؤمنين بالله الإيمان الصحيح - يشمل الإيمان بالقضاء والقدر - المثمر للعمل الصالح المصلح للقلوب والأخلاق والدنيا والآخرة، معهم أصول وأسس يتلقون فيها جميع ما يرد عليهم من أسباب السرور والابتهاج، وأسباب القلق والهم والأحزان.

يتلقون المحاب والمسار بقبول لها، وشكر عليها، واستعمال لها فيما ينفع، فإذا استعملوها على هذا الوجه. أحدث لهم من الابتهاج بها، والطمع في بقائها وبركتها، ورجاء ثواب الشاكرين، أموراً عظيمة تفوق بخيراتها وبركاتها هذه المسرات التي هذه ثمراتها.


(١) سبق تخريجه ص ١٢ حاشية رقم ٣.
(٢) مدارج السالكين (٣/ ٥٠٠).
(٣) جدد حياتك، محمد الغزالي ص ٢٧، ط. التاسعة، دار القلم دمشق، ١٤١٦ هـ.

<<  <   >  >>