- بينما أنا نائمة إذ دخل علي ذلك الرجل المسلم فأخذ بيدي، وانطلق بي إلى الجنة، فلما صار بي إلى بابها منعني خازنها من الدخول إليها، وقال إنها محرمة على الكافرين فأسلمت على يده، ودخلت معه الجنة، فرأيت فيها من القصور والأشجار ما لا أُحسن وصفه لكم، ثم إنه أخذني إلى قصر من الجوهر وقال: هذا القصر لي ولك، وأنا لا أدخله إلا بك، وإلى خمس ليال تكونين عندي فيه، إن شاء الله تعالى، ثم مد يده إلى شجرة على باب القصر فقطف منها تفاحتين وقال: كلي هذه الواحدة، وأخبي الأخرى حتى يراها الرهبان، فأكلت التفاحة، فلم أر أطيب منها، ثم إنه أخذ بيدي وأخرجني حتى وصلت إلى داري، ثم إنها أخرجت التفاحة من جيبها، فأشرقت في ظلمة الليل، كأنها كوكب دري، فجاءوا بالمرأة إلينا إلى الدير ومعها التفاحة فلم نر شيئاً مثلها من فواكه الجنة، فأخذت السكين وشققتها على عدد أصحابي، فما رأينا ألذ من طعمها، ولا أطيب من ريحها، فقلنا: لعل شيطاناً تمثل لها ليغويها عن دينها، فأخذها أهلها وانصرفوا. ثم إنها امتنعت من الأكل والشرب، فلما كانت الليلة الخامسة قامت من فراشها وخرجت من بيتها حتى أتت قبره، فألقت نفسها عليه وماتت، ولم يعلم بها أحد من أهلها، فلما كان وقت الصباح أقبل على القرية شيخان مسلمان، عليهما ثياب من الشعر، ومعهما امرأتان كذلك، فقالا: إن لله عندكم ولية من أوليائه قد ماتت مسلمة، ونحن نتولاها دونكم. فطلب أهل القرية تلك المرأة فوجدوها على القبر ميتة، فقالوا: - هذه صاحبتنا ماتت على ديننا ونحن نتولاها، واشتد الخصام والتنازع بينهم، فقال أحد الشيخين: إن علامة إسلامها أن يجمع رهبان الدير " الأربعون " ويجذبونها عن القبر، فإن جاءت معهم فهي نصرانية، ويتقدم منا واحد وجذبها، فإن انجذبت معه فهي مسلمة، فرضي أهل القرية بذلك، فجمعت رهبان الدير الأربعون وأتيناها لنحملها فلم نقدر على حملها، فربطنا في وسطها حبلاً غليظاً، وجذبها " الرهبان الأربعون " أجمعون، فانقطع الحبل، ولم تتحرك، فتقدم أهل القرية، وفعلوا كذلك، فلم تتحرك من موضعها، فلما عجزنا عن حملها بكل الحيل، قلنا لأحد الشيخين تقدم أنت واحملها، فتقدم إليها وجذبها بردائه وقال: بسم الله الرحمن الرحيم، على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حملها في حضنه، وانصرف فيها إلى غار هناك، فوضعها فيه، وجاءت المرأتان فغسلتاها وكفنتاها، ثم حملها الشيخان وصليا عليها، ودفناها إلى قبر ذلك الزاهد، وانصرفنا ونحن نشاهد هذا كله، فلما خلا بعضنا إلى بعض قلنا: إن الحق أحق أن يتبع، وقد وضح لنا الحق بالمشاهدة والعيان، ولا برهان على صحة دين الإسلام أوضح لنا مما رأيناه، ثم أسلمت أنا وأسلم رهبان الدير " الأربعون " وجميع أهل القرية، ثم إنّا بعثنا إلى بلد " الجزيرة " نستدعي فقيهاً عالماً يعلمنا شرائع الإسلام وأحكام الدين، فجاءنا رجل فقيه صالح فعلمنا وجه العبادة وأحكام الإسلام، ونحن اليوم على خير كثير، فلله الحمد والمنة على ذلك.
[دير بولس]
دير بولس بالرملة قال أبو الفرج: هو بناحية الرّملة.
أخبرني الحلبي قال: حدثني أبي قال: نزلت مع الفضل بن إسماعيل بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس، دير بولس، ونحن خارجان إلى جهة الرّملة، فرأى فيه جارية حسنة، بنتاً لقسٍّ هناك، فخدمته ثلاثة أيام، وسقته شراباً عتيقاً، فلما أراد الإنصراف أعطاها عشرة دنانير، وقال في طريقه:
عليك سلام الله يا دير من فتى ... بمهجته شوقٌ إليكَ طويلُ
ولا زال من تَوءِ السِّماكين وابلٌ ... عليك يُروَّى من ثَراكَ هطولُ
يَعلُّك منها بُرهةً بعد بُرهةٍ ... سَحابٌ بإحياء الرياض كفيلُ
إذا جاد أرضاً دَمعُه بانَ مَنظرٌ ... به لعيونن الناظرينن جميلُ
ألا ربَّ ليلٍ حالكٍ قد صَدَعتُه ... وليس معي غيرَ الحُسام خليلُ
ومشمولةٍ أوقدتُ فيها لصُحبتي ... مصابيحَ ما يخبو لهنّ فتيلُ
تُعللِّني بالراح هيفاءُ غادةٌ ... يخال عليها للقلوب وَكيلُ
تجول المنايا بينهنّ إذا غَدَتْ ... لواحظها بين القلوب تجولُ