للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يا دير يونس جادتْ سرحَك الدِّيمُ ... حتى تُرى ناظراً بالنور يبتسمُ

لم يشف في ناجر ماءٌ على ظمأٍ ... كما شفى حرّ قلبي ماؤك الشَّبمُ

ولم يحلّك محزونٌ به سقمٌ ... إلا تحلّل عنه ذلك السُقمُ

أستغفر الله كم لي فيك ذو غَنَجٍ ... جرى عليّ به في رِبعك القَلَمُ

ويقول أيضاً:

لا تعدلنَّ عن ابنة الكرم ... بأبي، ففيها صحة الحِسْمِ!

لو لم يكن في شُربها فرجٌ ... إلا التخلص من يد الهّمِ!

ويقول أيضاً أبو شأس:

أعاذل ما على مثلي سبيلُ ... وعذلُك في المُدامة مُستحيلُ

أليس مطيتي حَقْوي غلامٍ ... ورحلُ أناملي كأسٌ شمولُ؟

إذا كانت بنات الكرم شِربي ... وقبلةُ وجهي الوجهُ الجميلُ

أمنت بذينِ عاقبةَ الليالي ... وهان عليّ ما نقل العَذُولُ!

[دير الثعالب]

- قال الشابشتي: هذا الدير ببغداد، بالجانب الغربي منها، بالموضع المعروف بباب الحديد وأهل بغداد يقصدونه ويتنزهون فيه، ولا يكاد يخلو من قاصد وطارق. وله عيد لا يتخلف فيه أحد من النصارى والمسلمين، وباب الحديد أعمر موضع ببغداد وأنزهه: لما فيه من البساتين والشجر والنخل والرياحين، ولتوسطه البلد وقربه من كل أحد. فليس يخلو من أهل البطالات، ولا يخلّ به أهل المتطرب واللذاذات. فمواطنه أبداً معمورة، وبقاعه بالمتنزهين مشحونة.

- وذكر البيروني أن عيد دير الثعالب، هو آخر سبت من أيلول، إلا أن يكون أول تشرين الأول من السنة الآتية يوم الأحد، فيتأخر العيد إليه ويخرج من أيلول، فتتعرى تلك السنة، ويتكرر في الآتية مرتين: في أولها وأخرها.

- وقال ياقوت إنه: دير مشهور، بينه وبين بغداد ميلان أو أقل، في كورة نهر عيسى، على طريق صرصر، رأيته أنا، وبالقرب منه قرية تسمى الحارثية.

- ولمحمد بن عمر ابن دهقانة الهاشمي، أبيات من الشعر ورد فيها اسم الدير منها:

دير الثعالب مألف الضلال ... ومحل كل غزالةٍ وغزالِ

- ومن أقدم من ذكر هذا الدير خليفة بن خياط، فلقد ذكره في حوادث سنة ١٢٧هـ، قبل إنشاء مدينة بغداد، قال في خبر طويل: وأقبل الضحاك بن قيس من المدائن يريد الكوفة، فنزل دير الثعالب في ثلاثة آلاف، والمكثر يقول: في آربعة آلاف.

- وفي كتاب " الحوادث الجامعة " ذكر لهذا الدير، قال في حوادث سنة ٦٨٣هـ: - في هذه السنة زادت دجلة زيادة عظيمة، وغرقت في الجانب الغربي من بغداد عدة نواح، ووصل إلى قباب دير الثعالب.

- وزار سبط ابن التعاويذي، الشاعر المعروف) ٥٨٣هـ (هذا الدير يوم عيده، فرأى شماساً فيه صبيح الوجه، فقال فيه ارتجالاً:

وغزال علقته ... يوم دير الثعالبِ

من ظباء الصريم ... يخطرُ في زيّ راهبِ

شد زناره فحل ... عقود المذاهب

- وذكر الأب أنستاس ماري الكرملي أن بقايا دير الثعالب، تعرف اليوم باسم عين الصنم.

- ورجح الأب لويس شيخو، أن " دير الثعالب منسوب، على ما نظن، إلى بني ثعلبة المتنصرين، قريب من بغداد عند الحارثية ".

- وأيده في هذا الترجيح د. عبد اللطيف الراوي. انظر: المجتمع العراقي في شعر القرن الرابع للهجرة٢٨٢، وانظر: مسالك الأبصار ١ - ٢٧٧، ٥٧١.

- بغداد في عهد الخلافة العباسية ٩٢، ١٠٨، ١٨٢.

- دليل خارطة بغداد ٤٣، ٦٥، ١٠٢، ١٠٤.

- أحوال نصارى بغداد ١٢٠ - ١٢١، ١٢٣ - ١٢٥.

- ديارات بغداد القديمة ٢٩ - ١٥.

[دير الثعالب]

قرب بغداد، في كورة نهر عيسى، بالموضع المعروف بباب الحديد.

- خرجت أنا وأبو الفتح أحمد بن إبراهيم بن علي بن عيسى رحمه الله، ماضيين إلى دير الثعالب، في يوم من سنة خمس وخمسين وثلاث مئة للنزهة ومشاهدة اجتماع النصارى هناك، والشرب على نهر يزدجرد الذي يجري على باب هذا الدير فبينا نحن نطوف الدير، ومعنا جماعة من أولاد الكتّاب النصارى وأحداثهم، وإذا بفتاة كأنها الدينار المنقوش كما يقال، تتمايل وتتثنّى كغصن ريحان في نسيم شمال. فضربت بيدها إلى يد أبي الفتح وقالت: يا سيّدي، تعال اقرأ هذا الشعر المكتوب على حائط بيت الشاهد. فمضينا معها، وبنا من السرور بها وبظرفها وملاحة منطقها ما الله به عالم. فلما دخلنا البيت كشفت عن ذراع كالفضة، وأومأت إلى الموضع، وإذا فيه مكتوب:

<<  <   >  >>