[المبحث الرابع عشر: تخلف الجزئيات قد يكون لمصلحة مشروعة خارجة عن مقتضى الكلي]
إذا تخلفت بعض الجزئيات عن المقاصد والمصالح الكلية؛ فلا يعني ذلك أن تلك المقاصد والمصالح قد تعطلت أو اختلت؛ بل يعني مراعاة مصالح أخرى، هي في نفس أهمية المصالح التي استثنيت منها تلك الجزئيات.
ويمكن أن نبين هذا الأمر من خلال الأمثلة التالية:
١- الملك المُرفَّه الذي يقصر في الصلاة، لئن تخلفت حكمة التيسير والتخفيف عن القصر بسبب رفاهية المُلْكِ؛ فقد تحققت حكمة أخرى، وهي استقرار الحكم وانتظامه واطراده في كل زمان ومكان؛ فلو استثنينا الملك من القصر؛ لأنه لا يعاني المشقة، لتساهل الناس في استثناء غيره من الناس، ولتساهلوا في تغيير الأحكام وتبديلها على مر الزمان، ولذلك كانت الأحكام محددة مضبوطة تسير على معيار واحد، لا يختلف باختلاف الظروف والأحوال والأشخاص.
٢- النظر إلى العورة لغرض التداوي مباح، وهو مستثنى من عموم تحريم النظر إلى الأجنبي، وهذا الاستثناء لا يخل بأصلية التحريم؛ وإنما يحقق مصلحة أخرى وهي مصلحة العلاج التي لها نفس أهمية مصلحة غض البصر لحفظ الأعراض والكرامة الإنسانية، وإذا لاحظنا النظر إلى العورة وجدنا أن العلة التي لأجلها منع النظر إلى العورات منتفية؛ وذلك لأن الناظر في العورة غالبًا ليس له من قصد سوى