[المطلب الرابع: مخالفة الهوى من قبيل المشقة المستطاعة]
ورد التكليف الشرعي لحمل النفس على الانقياد والاستسلام إلى أحكام الله وأوامره وتوجيهاته، ولخروجها من دائرة الهوى والتشهي والتلذذ، ولصرفها عن عالم الفساد والرذائل والشرور، إلى عالم الصلاح والفضائل والخير والسعادة.
وتعد مخالفة الهوى مشقة كبرى على النفس البشرية؛ إذ إن حمل هذه النفس على ما ذكرنا -من وجوب الانقياد إلى الأوامر والالتزامات، ولزوم الابتعاد عن الشهوات والنزوات واللذائذ غير المباحة، وضرورة انضباطها بقواعد الأخلاق والفضائل وخضوعها للحق والعدل والإنصاف- شاق عليها متعب لها، مخالف لرغباتها وتنزواتها؛ لكنه لازم في قيام مصالح الدين والدنيا.
فالشرع لم يأت إلا إلى إخراج الإنسان من دائرة هواه ونزواته إلا طريق الله المستقيم؛ ائتمارًا بالمأمور به، وانتهاءً عن المنهي عنه؛ وذلك عين المقاصد الشرعية المعتبرة التي لا تنفك عن مشاق ذلك وصعوبته، وتلك المشاق في الحقيقة ميسورة ومستطاعة إذا تعودت النفس على الطاعة والامتثال، وإذا رغبت ورهبت وأخلصت الأمر إلى خالقها سبحانه وتعالى. كما أن تحمل تلك المشاق موصل إلى تحقيق عديد المصالح والمنافع في الدنيا والآخرة،