للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الشاطبي: "إن مقصود العبادات الخضوع لله، والتوجه إليه والتذلل بين يديه، والانقياد تحت حكمه، وعمارة قلبه بذكره حتى يكون العبد بقلبه وجواره حاضرًا مع الله ومراقبًا له غير غافل عنه، وأن يكون ساعيًا في مرضاته، وما يقرب إليه على حسب طاقته"١.

توقيفية العبادات لا يعني خلوها من الحِكم والفوائد والمصالح:

القول بأن العبادات توقيفية غير معللة لا يعني البتة خلوها من المصالح والحِكم والفوائد؛ وإنما يعني فقط ثبوتها ودواما على ذلك الأمر؛ كي لا تتبدل بتبدل الأزمان والأحوال، وكي يتحقق منها واجب التدين والتعبد والامتثال؛ إذ لا يعد الإنسان مطيعًا ومنقادًا إلا إذا فعل ما أمر به من مطيعه على الوجه الذي أراد وبالكيفية التي طلب؛ فالعبد إذا أعطي لسيده عصيرًا، وقد طلب منه ماء لا يعد مطيعًا، والمكلف الذي يصوم كل عمره بلا انقطاع لا يعد عابدًا ولا متقربًا؛ لأنه فعل ما يخالف أمر الله في الصوم ومراده فيه؛ إذ الصوم لم يشرع إلا في أزمنة معينة، وليس كامل حياة الإنسان، ولم يؤمر به إلا لاشتماله على منافع وحكم كثيرة في الدنيا والآخرة، وقد جمع الله تعالى كل تلك المنافع والحكم في مقصود جامع وهدف كلي، هو بلوغ التقوى وتحصيلها {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} ، وأرقى درجات تلك التقوى وأعلى مراتبها: عبادة الله، والامتثال إليه في عبادة الصوم التي جعلها الله تعالى لنفسه دون غيره: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"٢.

ولعل معنى هذا أن الصوم امتناع عن الفعل بخلاف العبادات الأخرى التي


١ الموافقات: ٢/ ٣٠١ وما بعدها.
٢ أخرجه البخاري من كتاب اللباس باب ما يذكر في المسك.

<<  <   >  >>