إنها تفعل ذلك بغرض تقرير أصلية التبرع في النفوس الإنساية والهياكل والجمعيات والتجمعات، وتحقيق مقاصده وغاياته الإنسانية والتنموية والإنقاذية.
وهذا الأمر مشروع في حد ذاته ومرغوب فيه، ويعمق في النفوس والمجتمات أواصر التعاون والتحابب والمواساة؛ شريطة أن يستخدم في أغراضه المشروعة، وأن يصرف في وجوهه المطلوبة، وأن لا يتحول إلى وسيلة لابتزاز أموال الناس والتحايل في أخذها، وإلى أن يتحول نعيم التبرع إلى جحيم البخل، بسبب سوء الاستخدام والتوظيف والتطويع.
فنفس المتبرع ترتاح وتطمئن؛ إذ شاهدت تبرعها ساريًا في صنوف الخير، وأنواع المعروف وهو مما يقوي فيها أصلية التبرع وحب الإنفاق والحرص عليه؛ أما إذا لاحظت خلاف ذلك؛ فإنها ترتد إلى نفسها بخلًا وشحًا، وهذا على خلاف مقصود الشارع من تشريع التبرعات، الذي أراد دوام فعلها ودوام آثارها في العاجل والآجل.
ثم إن المنطلق العقدي والتعبدي لسلوكية التبرع يزيد في تقويته ودوامه وتأصيله؛ ذلك أن المتبرع يفعل ذلك لوجه الله أولًا، ثم لإعانة أخيه ومساعدته. وهذا ما يجعل التبرع في الإسلام حقيقة ذاتية وسلوكًا إنسانيًا أصيلًا يؤدي بالاختيار والطواعية وطيب النفس، لا ببغضها واشمئزازها، بسبب الإكراه والتحايل والإحراج والتغرير.