للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

......................................................................


والنبي صلى الله عليه وسلم صدر هذا الأمر بهل الدالة على التشويق والتنبيه من أجل أن يثبت عقيدة عظيمة، وهو أنه تعالى فوق كل شيء بذاته، وأنه محيط بكل شيء علما، لقوله: " وليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم "١ فإذا علمنا ذلك، أوجب لنا تعظيمه والحذر من مخالفته، لأنه فوقنا، فهو عال علينا، وأمره محيط بنا.
وفي الحديث صفتان لله: ثبوتية، وهي العلو المستفاد من قوله: والله فوق ذلك. وسلبية، وهي المستفادة من قوله: "ليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم"٢ ولا يوجد في صفات الله عز وجل صفة سلبية محضة، بل صفاته السلبية التي هي النفي متضمنة لثبوت ضدها على وجه الكمال، فينفى عنه الخفاء لكمال علمه، وينفى عنه اللغوب لكمال قوته، وينفى عنه العجز لكمال قدرته، وما أشبه ذلك. فإذا نفى الله عن نفسه شيئا من الصفات، فالمراد انتفاء تلك الصفة عنه لكمال ضدها، كما قال تعالى: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} ٣ السنة: النعاس، والنوم: الإغفاء العميق، وذلك لكمال حياته وقيوميته، إذ لو كان ناقص الحياة لاحتاج إلى النوم، ولو نام ما كان قيوما على خلقه، لأنه حين ينام لا يكون هناك من يقوم عليهم، ولهذا كان أهل الجنة لا ينامون لكمال حياتهم، ولأن النوم في الجنة يذهب عليهم وقتا بلا فرح ولا سرور ولا لذة، لأن السرور فيها دائم، ولأن النوم هو الوفاة الصغرى، والجنة لا موت فيها.
وليس في صفات الله نفي محض، لأن النفي المحض عدم لا ثناء فيه ولا كمال، بل هو لا شيء، ولأن النفي أحيانا يرد لكون المحل غير قابل له، مثل قولك: الجدار لا يظلم.
وقد يكون نفي الذم ذما، كما في قول الشاعر:

<<  <  ج: ص:  >  >>