للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

......................................................................


عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} ، [النساء: من الآية١٧] ، وأما من يعمل السوء بجهل فلا ذنب عليه، لكن عليه أن يتعلم. قوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً} ، "من": اسم استفهام بمعنى النفي; أي: لا أحد أحسن من الله حكما، وهذا النفي مشرب معنى التحدي; فهو أبلغ من قول: لا أحسن من الله حكما; لأنه متضمن للنفي وزيادة.
وقوله: "حكما": تمييز; لأنه بعد اسم التفضيل، وهو مبهم; فبين هذا التمييز المبهم وميزه. والحكم هنا يشمل الكوني والشرعي.
فإن قيل: يوجد في الأحكام الكونية ما هو ضار مثل الزلازل والفيضانات وغيرها; فأين الحسن في ذلك؟
أجيب: أن الغايات المحمودة في هذه الأمور تجعلها حسنة، كما يضرب الإنسان ولده تربية له، فيعد هذا الضرب فعلا حسنا; فكذلك الله يصيب بعض الناس بهذه المصائب لتربيتهم، قال تعالى في القرية التي قلب الله أهلها قردة خاسئين: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} ، [البقرة:٦٦] ، وهذا الحسن في حكم الله ليس بينا لكل أحد، كما قال تعالى: "لقوم يوقنون"، وكلما ازداد العبد يقينا وإيمانا ازداد معرفة بحسن أحكام الله، وكلما نقص إيمانه ويقينه ازداد جهلا بحسن أحكام الله، ولذلك تجد أهل العلم الراسخين فيه إذا جاءت الآيات المتشابهات بينوا وجه ذلك بأكمل بيان ولا يرون في ذلك تناقضا، وعلى هذا; فإنه يتبين قوة الإيمان واليقين بحسب ما حصل للإنسان من معرفته بحسن أحكام الله الكونية والشرعية.

<<  <  ج: ص:  >  >>