ثبت عنه ذلك في صلاته في غير المسجد كما في حديث فصففت أنا واليتيم خلفه والعجوز من ورائنا وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس.
وأخرج أحمد ["٥/٢٩٨"] ، وابو دأود ["٦٧٧"] من حديث أبي مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل الرجال قدام الغلمان والغلمان خلفهم والنساء خلف الغلمان فأفاد هذا تقديم الرجال على الغلمان وتقديم الغلمان على النساء وأما الخناثى فلم يرد فيهن شيء ولا وجد هذا الجنس في زمن النبوة ولا ورد ما يفيد تقديمه على النساء وإنما لما كان له نسبة إلي الرجال ونسبة إلي النساء كان متوسطا بين الجنسين.
قوله: "ولا تخلل المكلفة صفوف الرجال مشاركة لهم وإلا فسدت عليها وعلى من خلفها" الخ.
أقول: إذا لم تقف المرأة في موقفها الذي عينه رسول الله صلى الله عليه وسلم لها وهو وقوفها في صف النساء أو وقوفها وحدها بعد الرجال فقد صارت بذلك عاصية.
وأما فساد صلاتها بذلك فلا دليل يدل عليه وهكذا لا دليل يدل على فساد صلاة الرجال لأن غاية الأمر دخول الأجنبية معهم ونظرهم إليها وذلك لا يوجب فساد الصلاة بل يكون من وقف بجنبها مختارا لذلك أو نظر إليها عاصيا وصلاته صحيحة وأما من لم يقف بجنبها ولا نظر إليها فليس بعاص فضلا عن كون صلاته تفسد بمجرد دخولها معهم في الصلاة ومشاركتها لهم في الإئتمام بإمامهم.
والحاصل أن هذا التسرع إلي إثبات مثل هذه الأحكام الشرعية بمجرد الرأي الخالي عن الدليل ليس من دأب أهل الإنصاف ولا من صنيع المتورعين.
قوله: "ويسد الجناح كل مؤتم أو متأهب منضم إلا الصبي وفاسد الصلاة"
أقول: أما استثناء الصبي فمصادم للدليل الصحيح الثابت في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس أنه صف هو واليتيم خلف النبي صلى الله عليه وسلم ووقفت العجوز أم سليم خلفهما ومصادم لما ثبت في الصحيحين [البخاري "٨٥٩"، مسلم "١٨٤/٧٦٣"] ، وغيرهما [أبو دأود "٦١٠"، والنسائي "٨٤٢"، الترمذي "٢٣٢"، من صلاة ابن عباس مع النبي صلى الله عليه وسلم وحده بعد أن وقف عن يساره فأداره إلي يمينه
ومصادم لما أخرجه النسائي في الخصائص أن عليا كان يصلي إلي جنب النبي صلى الله عليه وسلم قبل بلوغه.
وأما استثناء فاسد الصلاة فليس على ذلك دليل والأصل الصحية وغاية ما هناك أن يكون فاسد الصلاة بمنزلة السارية المتخللة في وسط الصف ولم يصب من ادعى أن بينهما فرقا.
قوله: "فينجذب من بجنب الإمام"
أقول: أما مشروعية انجذاب من بجنب الإمام فيدل على ذلك ما تقدم في صحيح مسلم وغيره من حديث جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامه عن يمينه فجاء آخر فوقف عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بأيديهما فدفعهما حتى أقامها خلفه.