كون يده غاصبة فإن اليد الغاصبة لا تستحق شيئا وما فعلته في الغصب فلا حق لها فيه وأما ما أخرجه أحمد "وأبو داود "٣٤٠٣"،والترمذي "١٣٦٦"، وابن ماجه "٢٤٦٦"، من حديث رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته"، وقد روى الترمذي "٣/٦٤٨"، عن البخاري تحسينه ونقل عن البخاري تضعيفه وضعفه أيضا البيهقي وهو من طريق عطاء بن أبي رباح عن رافع بن خديج قال أبو زرعة لم يسمع عطاء من رافع وكان موسى بن هارون يضعف هذا الحديث ويقول لم يروه عن شريك ولا رواه عن عطاء غير أبي إسحاق فهو مع كونه مخالفا لما هو أصل الغصب من عدم رجوع الغاصب الظالم على المغصوب عليه المظلوم بما أنفقه على ما تعدى به من إيقاع الرزع غصبا وعدوانا بغير إذن الشرع يمكن الجواب عنه من وجوه:
الأول: ما ذكرناه فيه من المقال الذي لا ينتهض معه للاستدلال.
الثاني: بما حكاه ابن المنذر عن أحمد بن حنبل أنه قال إن أبا إسحق زاد في هذا الحديث لفظ: "بغير إذنهم" وليس غيره بذكر هذا الحرف انتهى وإذا كان هذا اللفظ مزيدا لم يكن في الحديث دلالة على أن هذا الحكم يثبت للغاصب بل هو ثابت لمن زرع أرض قوم على غير وجه التعدي والعدوان فلا يبقى في الحديث إشكال ويؤيد هذا ما أخرجه أحمد وأبو داود والطبراني وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى زرعا في أرض ظهير فأعجبه فقال: "ما أحسن زرع ظهير" فقالوا: إنه ليس لظهير لكنه لفلان, قال: "فخذوا زرعكم وردوا عليه نفقته" فدل على أن الزرع تابع للأرض فهذا قاله صلى الله عليه وسلم في أرض غير مغصوبة كما يدل عليه قولهم ولكنه لفلان ولو زرع تلك الأرض غصبا لم يقولوا إن الزرع له وإذا كان هذا حكم من زرع غير غاصبا ولا ظالم فحكم من زرع غاضبا ظالما مثل هذا الحكم.
الوجه الثالث: بما أخرجه أبو داود والدارقطني من حديث عروة بن الزبير عن بعض الصحابة أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس أحدهما نخلا في أرض فقضى لصاحب الأرض بأرضه وأمر صاحب النخل أن يخرج نخلة منها قال: "فلقد رأيتها وإنها لتضرب أصولها بالفؤوس وإنها لنخل عم" وإذا كان هذا هو حكم الشرع في النخل الذي تعظم المؤنة عليه وتكثر الغرامة فيه فأمر النبي الغاصب بالقلع وإخراج نخله مع كونه قد صار نخلا عما فكيف لا يكون الزرع مثله مع حقارة المؤونة عليه وقصر المدة فيه وليس في كون البذر من الغاصب زيادة على كون أصول الغرس منه فلا يصح أن يكون أحدهما سببا لاستحقاق الغاصب للنفقة دون الآخر فما ذكره المصنف رحمه الله من قلع الزرع وإن لم يحصد ولزوم أجرة الأرض للغاصب وإن لم ينتفع صواب وهكذا قوله إن عليه أرش ما نقص.
وأما قوله: "فإن أجر أو نحوه فموقوف" فالمعتبر إجارة المالك فإن أجاز كانت هذه الإجازة هي التي صح بها التأجير ونحوه وإن لم يجز كان ما فعله الغاصب وجوده كعدمه وأما قوله: "إلا نقصان السعر" فوجهه أن ذلك النقصان ليس من فعل الغاصب حتى يضمنه ولا يخفاك أن ارتفاع السعر يزيد قيمة ذلك المغصوب فوق ما كانت عليه حال الغصب ومن الجائز