وأما قوله:"وإن تعذر من الشهود سقط" فلا أرى هذا وجها لسقوط الحد الذي قد ثبت بما هو معتبر من الشهادة ولا يصح أن يجعل ذلك من الشبهة التي تدرأ بها الحدود.
قوله:"ويترك من لجأ إلى الحرم" الخ.
أقول: وجه هذا ما ثبت في الصحيح من حديث أبي شريح ولفظه في الصحيح البخاري "٤/٤١"، "أن مكة حرمها الله تعالى ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة فإن أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنما أذن لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس" وفيه ألفاظ نحو هذا وهو يدل بعمومه على تحريم سفك الدماء فيه ولو كانت بحد ولا يصح الاستدلال بما وقع منه صلى الله عليه وسلم في تلك الساعة التي أحل الله سبحانه له الحزم فيها كما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث سعد قال لما كان يوم الفتح أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين وقال: "اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله ابن سعد بن أبي سرح" وذلك لأن هذا وقع منه صلى الله عليه وسلم في تلك الساعة التي أحلها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وقد أخبرنا أن الله أذن له ولم يأذن لنا ومما يؤكد هذه الحرمة قول الله عزوجل: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً}[آل عمران: ٩٧] ، فإنه إخيار في معنى الأمر أي ومن دخله فأمنوه.
وأما كونه لا يطعم حتى يخرج فوجهه أنه فار من حد أوجبه الله عليه فلا يعان على معصيته.
وأما كون من ارتكب أخرج فوجهه أن قد فعل ما يخالف الحرمة وارتكب المعصية العظيمة في أكرم بلاد الله عليه وأحبها إليه ولكنه لا يقام عليه الحد حتى يفارق الحرم.
وأما كونه لا إمهال في الرجم فوجهه ظاهر لأنه يراد من رجمه موته والإمهال في الجلد إنما هو لخشية الهلاك.
وأما قوله:"لكن تستبرىء كالأمة للوطء" فليس له وجه لأن الأصل عدم العلوق ومع ذلك فهو قبل أن يتبين لا حرمة له لكونه لم ينفخ فيه الروح.
قوله:"ويترك للرضاع إلى الفصال" الخ.
أقول: وجه هذا ما أخرجه مسلم وغيره من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة من غامد من الأزد فقالت: يا رسول الله طهرني, فقال:"ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه"، فقالت: أراك تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك قال: "وما ذاك؟ "، قالت: إنها حبلى من الزنا, قال:"آنت؟ "، قالت: نعم, فقال لها:"حتى تضعي ما في بطنك"، قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد وضعت الغامدية فقال: "إذن لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه"، فقام رجل من الأنصار فقال إلي رضاعه يا نبي الله قال فرجمها وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم لعلى في قصة الجارية الحديثة