للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَال ابن جرير - رحمه الله - في الآية: "يقول تعالى ذكره: والَّذِي له هذه الصفات تبارك وتعالى، هو الَّذِي يبدأ الخلق من غير أصل فينشئه ويوجده، بعد أن لم يكن شيئا، ثم يفنيه بعد ذلك، ثم يعيده، كما بدأه بعد فنائه، وهو أهون عليه"١.

وهاتان الجملتان - جملة الصلة، والمعطوفة عليها - بداية ومقدمة لدليل عقلي، وحجة برهانية. سيأتي بيانها قريبا - إن شاء الله تعالى -.

قوله: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} .

ورد في معناها أقوال أشهرها ثلاثة، ذكرها ابن جرير - رحمه الله - وأغلب أقوال المفسرين ترجع إليها، وهي:

القول الأول: أن "أهون" بمعنى هين٢.

وهذا القول مأثور عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، وبعض أهل العلم٣. وهو صحيح في اللغة حيث إن أهون يأتي بمعنى هين٤.


١ جامع البيان، لابن جرير، (١٠/١٧٩) .
٢ المصدر السابق.
٣ نفس المرجع والصفحة.
٤ ذكر ابن جرير - رحمه الله - شواهد هذا المعنى اللغوية، حيث قَال: "والَّذِي ذكرنا عن ابن عباس ... قول أيضا له وجه.
وقد وجه غير واحد من أهل العربية قول ذي الرمة:
أخي قفرات دبَّبت في عظامه شفافات أعجاز الكرى فهو أخضع
إلى أنه بمعنى خاضع. وقول الآخر:
لعمرك إن الزِّبرقان لباذل لمعروفه عند السنين وأفضل
إلى أنه بمعنى: وفاضل...." إلى أن قَال: "قَالوا: ومنه قولهم في الأذان: الله أكبر، بمعنى كبير ... " جامع البيان، لابن جرير، (١٠/١٨١) .
القول بأن: "الله أكبر" بمعنى كبير. فيه نظر. وذلك أن الأصل في وصف الله أن يوصف بالوصف الأعلى. فيقال: "الله أكبر"، وأعلى، وأعظم، وأكمل ... ونحوها. لقوله تعالى: "ولله المثل الأعلى" والوصف الجاري على "أفعل" في صفات الباري عز وجل، يفيد معنى هاما، وهو معنى التفرد.
وعلى هذا فإن وصف "كبير" إذا وصف به الله تعالى فإنه يفسر بأكبر. وعظيم بأعظم ونحوها، وليس العكس.
كما أن قول المؤذن "الله أكبر" يوحي لسامع الأذان في هذا المقام بمعنى لا يؤديه وصف "كبير" إذ إنه ينبه إلى أن الله أكبر، وأمره أكبر، وطاعته أكبر من أي شيء قد يكون المسلم مشتغلا به. فهو تحريض على الاستجابة للصلاة، والمبادرة إليها. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>