عنى فعاتبته في ذلك فقال: تجيء إلى رجل يرى السيف في أمة محمد فتذكره عندنا ألا ترى إلى الخطيب لم يعرف الفرق بين الخروج على الأئمة وبين من يرى السيف في الأمة! اعلم وفقك الله أن القتل ليس مشروعا بمجرد الكفر إذ لو كان لكان يحل لنا قتالهم من غير نبذ، ولما كان يجوز لنا أخذ الجزية منهم وتركهم وما يعبدون ويكونون كالمسلمين في أموالهم ودمائهم، وإنما القتل مشروع للفساد في الأرض والتعدي على الدين. ولذلك قال تعالى: ﴿وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخائِنِينَ﴾ وقال تعالى: ﴿إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا﴾ وقال تعالى: ﴿وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ فأمر بقتال البغاة كما أمر بقتال أهل الحرب. وقال ﷿ في قصة أهل الحرب ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ﴾ فأراد إعلاء كلمة الإسلام وأمر بالقتال للفريقين جميعا لاكتفاء شرهم وقمع المفسدين وإصلاح الرعية وأمن الطرق فاستويا، فمن لا يعرف وجوه القرآن كيف يجوز له الرد على من يعرف؟
ثم ذكر عن الأبار لإسناده إلى أبى إسحاق الفزاري.
قال: جاءني نعى أخى من العراق- وخرج مع إبراهيم بن عبد الله الطالبي- فقدمت الكوفة فأخبرونى أنه قتل وأنه قد استشار سفيان الثوري وأبا حنيفة. فأتيت سفيان فقلت أنبئت بمصيبتى بأخى وأخبرت أنه استفتاك؟ قال نعم قد جاءني فاستفتانى. فقلت ما أفتيته قال قلت لا آمرك بالخروج ولا أنهاك. قال فأتيت أبا حنيفة فقلت له بلغني أن أخى أتاك فاستفتاك؟ قال قد أتانى واستفتانى، قال قلت وما أفتيته بالخروج، قال فأقبلت عليه فقلت لا جزاك الله خيرا.
قال: هذا رأيى قال فحدثته بحديث عن رسول الله ﷺ في الرد لهذا قال هذه خرافة. قال الخطيب: يعنى حديث النبي ﷺ.
الخطيب ذكر هذا الخبر عن هذا الرجل أعنى أبا إسحاق ثم اختلف فيه فتارة قال ما ذكرت. ثم روى عنه أنه قال قتل أخى مع إبراهيم بالبصرة فركبت لنظر في تركته فلقيت أبا حنيفة فقال لي من أين أقبلت وأين أردت؟ فأخبرته الحديث فقال لي لو أنك قتلت مع أخيك لكان خيرا لك. فهذا حديث قد تقدم الجواب عنه. إلا أنى