أردت أن أذكر شيئا يعرفه الناس كما يعرفون أن أبا إسحاق الفزاري روى لأبى حنيفة حديثا عن النبي ﷺ، والناس يعرفون أن أبا إسحاق لم يكن فقيها ولا محدثا يؤخذ بقوله، ثم يرجح قول مثل هذا يكون أراد به الحق، ثم قول الخطيب أنه عنى قول النبي ﷺ. أترى ما علم أنه لو ثبت مثل هذا القول عند أبى حنيفة إنه يحمل على أن هذا حديث مشكوك فيه أو مطعون في ناقله، وأن أبا إسحاق لم يهتد إلى نقله على الوجه، وأنه لم يعرف الوجه في الحديث. ثم إن الخطيب قال عنى بقوله حديث النبي ﷺ. فما أدرى الخطيب أنه عنى حديث النبي ﷺ دون حديث الفزاري؟ ثم إن الخطيب جعل رأى سفيان في هذا الأمر حجة حيث قال لم آمر أخاك ولم أنهه. فإن المتفقهة إذا سئلوا عن مثل هذا لا بد أن يقولوا حلال أو حرام أو واجب أو محظور فإن كان واجبا لزم العمل به وإن كان محظورا وجب التجنب عنه.
فنقول: سفيان في هذه الفتيا لا يخلو إما إن كان الطالبي على الحق أو على الباطل ولا يخلو المستفتى إما إن كان ذا قدرة على الخروج أو عاجز وإن كان طالب فضيلة أولا. إن كان قادرا على الخروج طالبا للفضيلة ووجد إمام حق فالأولى له اتباعه، وان كان إمام باطل وجب عليه قتاله مع إمام الحق إذا دعى. أما السوقة وآحاد الناس فيقدرون على أن يفتوا بما أفتى به سفيان بأن لا يأمروا ولا ينهوا، فمن لا يفرق بين هذا وهذا ليت شعري كيف يجوز له الطعن على الأئمة، وفي قوله حدثته بحديث عن رسول الله صلّى الله وسلّم في الرد لهذا. كان الواجب أن يبين الحديث الذي في الرد. وأما إسناده إلى محمد بن على عن سعيد بن سالم أنه قال قلت لقاضى القضاة أبى يوسف سمعت أهل خراسان يقولون: إن أبا حنيفة جهمي مرجئ؟ فقال لي صدقوا ويرى السيف أيضا. قال له فأين أنت منه؟ قال إنما كنا نأتيه يدرسنا الفقه ولم نكن نقلده ديننا.
اعلم أن المشهور عن أبى يوسف خلاف ما ذكره عنه لأنه ذكر هذا الحديث عن محمد وحده وجميع أصحاب أبى حنيفة يقولون عن أبى يوسف عن- أبى حنيفة خلاف ما ذكر. وأما قول أبى يوسف كان يدرسنا الفقه وما كنا نقلده ديننا فالمشهور عن أبى يوسف أنه لما حج. قال اللهم إنك تعلم أننى لم أعمل إلا بما عرفته من كتابك وسنة نبيك، وما لم أعرفه منهما جعلت بيني وبينك فيه أبا حنيفة لعلمي به. وروى عنه أيضا هذا القول عند الموت، فمن يكون هذا قوله أما يكون قد قلده في دينه؟