استنباط مسائل ومباحث تعرض للعالم المحقق يحرص على إيصالها لغيره لتعمَّ المنفعة به، فيودع ذلك بالكتاب في الصحف، لعل المتأخر يظهر على تلك الفائدة. كما وقع في الأصول في الفقه، تكلَّم الشافعي أوَّلاً في الأدلة الشرعية اللفظية ولخصها، ثم جاء الحنفية فاستنبطوا مسائل القياس واستوعبوها، وانتفع بذلك من بعدهم إلى الأبد.
وثانيها: أن يقف على كلام الأولين وتواليفهم، فيجدها مستغلقةً على الأفهام، ويفتح الله له في فهمها. فيحرص على إبانة ذلك لغيره ممن عساه يستغلق عليه، لتصل الفائدة لمستحقها. وهذه طريقة البيان لكتب المعقول والمنقول، وهو فصل شريف.
وثالثها: أن يعثر المتأخر على غلط أو خطأ في كلام المتقدمين ممن اشتهر فضله، وبَعُدَ في الإفادة صيته، ويستوثق من ذلك بالبرهان الواضح الذي لا مدخل للشك فيه، ويحرص على إيصال ذلك لمن بعده، إذ قد تعذَّر محوه ونزعه بانتشار التأليف في الآفاق والأعصار وشهرة المؤلف ووثوق الناس بمعارفه؛ فيودع ذلك الكتاب ليقف الناظر على بيان ذلك.
ورابعها: أن يكون الفن الواحد قد نقصت منه مسائل أو فصول بحسب انقسام موضوعه، فيقصد المطلع على ذلك أن يتمم ما نقص من تلك المسائل؛ ليكمل الفن بكمال مسائله وفصوله، ولا يبقى للنقص فيه مجال.
وخامسها: أن تكون مسائل العلم قد وقعت غير مرتبة في أبوابها ولا منتظمة؛ فيقصد المطلع على ذلك أن يرتبها ويهذبها، ويجعل كل مسألة في بابها، كما وقع في " المدونة " من رواية سحنون عن أبي