[الجانب الثاني عشر: الدراسة المعرفية والحضارية في السنة النبوية]
توطئة:
إنَّ الله تعالى ذكر وظائف "الرسالة المحمدية" في أربع آيات من كتابه، في كُلٍّ منها {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}[البقرة:١٢٩، وآل عمران:١٦٤، والجمعة:٢] ، وفي واحدة منها زيادة {وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}[البقرة: ١٥١] ، فالجانب المعرفي التعليمي هو جزء من المهمة النبوية.
وتعليم "الكتاب" أخصّ من تلاوة الآيات، فهو يعني الشرح النظري والتطبيق العملي للقرآن، وهو البيان الذي وُكِّلَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[النحل:٤٤] . و"الحكمة": المراد بها هنا: السُّنَّة.
كما أنَّ الله بعث رسوله الكريم، ليصنع به أمةً ربانيةً متميزةً، سمَّاها الله {أُمَّةً وَسَطاً}[البقرة:١٤٣] ، {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران:١١٠] : وهي أمة "الصراط المستقيم"، صراط التوازن والتكامل بين المادة والروح، بين الدنيا والآخرة، بين العقل والوحي، بين المثالية والواقعية، بين الفردية والجماعية، بين الحرية والمسؤولية، بين الإبداع المادي والالتزام الإيماني، فقامت على أساس هذه التعاليم حضارة عالمية فَذَّة، جمعت بين الربانية والإنسانية، بين العلم والإيمان، بين الرقي والأخلاق، هي الحضارة الإسلامية التي سادت العالم قروناً، واقتبست من حضارات الأقدمين،