للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلم في قلب السامع لها، ولا الأرض تخرج الكامن من بطنها من الأثقال، ولكن إذا حدثت فيها الحركة بقدرة الله ظهر ما كنز فيها وأُودِع جوفها، وكذلك الرياح لا تقل السحاب على الحقيقة؛ لإثبات الفعل لغيره القادر لا يصح في منطق العقل إلا إذا كان هذا الإثبات على سبيل التؤول وعلى العرف الجاري بين الناس في أن يجعلوا الشيء إذا كان سببًا أو كالسبب في وجود الفعل من فاعله كأنه فاعل، فيسند الفعل إليه على هذا التأويل، كذا أفاده الشيخ عبد القاهر في (أسرار البلاغة).

من السببية قوله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} (القصص: ٤) فقد نسب الفعل: {يُذَبِّحُ} إلى: {فِرْعَوْنَ} لكونه الآمر به، كذلك قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} (إبراهيم: ٢٨) والحقيقة أن الله سبحانه هو الذي أحلهم دار البوار، وإنما نسب فعل الله إلى أكابرهم؛ لأن سببه كفرهم، وسبب كفرهم أمرُ أكابِرهم إياهم بالكفر، وإن شئت فتأمل قوله تعالى: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (فصلت: ٢٣) وقوله تعالى في شأن إبليس اللعين: {يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} (الأعراف: ٢٧) وقد أسند الفعل في الأول إلى الظن؛ لأنه سببه كما نسب النزع في الثانية إلى إبليس وهو فعل الله تعالى في الحقيقة؛ وذلك لأن سببه هو الأكل من الشجرة، وسبب أكلها وسوسته ومقاسمته إياهما إنه لهما لمن الناصحين، كذا ذكره الخطيب القزويني في (الإيضاح).

ولا يخفَى عليك فهم المجاز في قوله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (الذاريات: ٥٥) وفي قوله: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ

<<  <   >  >>