عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا} (المائدة: ٨) وغير ذلك من أساليب المجاز الواردة في كتاب الله تعالى على اختلاف الصور والعلاقات، فهذا النوع من المجاز شائع في القرآن الكريم، وهو من أسرار بلاغته وروعة نظمه وكمال إعجازه.
على أن هذه العلاقات الست التي ذكرناها هي التي أوردها الخطيب في كتاب (الإيضاح) وهو متأثر في مبحث المجاز العقلي بكلام الزمخشري في (الكشاف) في تفسيره لقول الله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}(البقرة: ٧) الآية. فقد ذكر الزمخشري في هذا الموضع أن للفعل ملابسات شتى، تلابس الفاعل والمفعول به والمصدر والزمان والمكان والسبب، بيد أن الخطيب توقف عند هذه العلاقات الست ولم يتابع الزمخشري في مواضعَ أخرى من (الكشاف)؛ فقد أشار إلى أنواع أخرى من الملابسات؛ منها إسناد الفعل إلى الجنس كله وهو في الحقيقة مسند إلى بعضه كقولهم: بنو فلان قتلوا فلانًا والقاتل واحد منهم، ومنه قوله تعالى:{فَعَقَرُوا النَّاقَةَ}(الأعراف: ٧٧) حيث أسند العقرَ إلى جميعهم وهو كما ذكر الزمخشري في تفسيره كان لبعضهم؛ لأنه كان برضاهم والراضي بالشر كفاعله، وبذلك حل العذاب للجميع.
وإسناد الفعل إلى الجارحة التي هي آلته كقولك: هذا أبصرته عيني وسمعته أذني وقاله لساني، ومنه قوله تعالى:{وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}(البقرة: ٢٨٣) فالآثم في الحقيقة هو الشخص ومع ذلك أسند الإثم إلى قلبه؛ لأن كتمان الشهادة أن يضمرها لشخص ولا يتكلم بها، ولما كان إثمًا مقترفًا بالقلب أسند إليه؛ لأن إسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ.
ومنه: إسناد الفعل إلى ما له مزيد اختصاص وقربى بالفاعل الحقيقي كما في قوله تعالى: {إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ}(الحجر: ٦٠) فقد أسند