الفعل:{قَدَّرْنَا} إلى ضمير المتكلمين وهم الملائكة مع أن التقدير لله وحده، وذلك من قبيل إسناد الفعل إلى ما له مزيد اختصاص وقربى من الفاعل الحقيقي كما يقول خاصة الملك: دبرنا كذا وأمرنا بكذا مع أن المدبر والآمر هو الملك لا هم، وإنما يظهرون بذلك اختصاصهم بهم وأنهم لا يتميزون عنه كذا ذكره (الكشاف).
من خلال ما عرضنا نلحظ أن تعريف الخطيب للمجاز العقلي غير جامع لكل صور التجوز التي تألفها اللغة ويكثر دورانها على ألسنة الشعراء؛ فقد حصره الخطيب في إسناد الفعل أو ما في معناه إلى ملابس غير ما هو له، كما حصر الحقيقة في إسناد الفعل أو معناه إلى ما هو له، وعلى ذلك يكون قولنا: الإ ن سا ن حيوان ناطق ليس بحقيقة ولا مجاز؛ لأن الإسناد فيه إلى المبتدأ فلا يدخل في نطاق تعريفه، ومعنى ذلك أن الإسناد عن د هـ إما حقيقة عقلية وإما مجاز عقلي أو واسطة بينهما كالمثال الأخير.
وقد خرج عن تعريفه للمجاز العقلي صور كثيرة؛ منها:
١ - النسبة الإضافية، والمقصود بها إضافة المصدر إلى غير ما حقه أن يضاف إليه؛ مثل: أعجبني إنبات الربيع البقل، وكما في قوله تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}(سبأ: ٣٣) فقد أضيف المصدر: {مَكْرُ} إلى زمانه: {اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}، وحقه أن يضاف إلى أصحابه وتقديره: بل مكرهم في الليل والنهار، ومنه قوله -عز وجل -: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا}(النساء: ٣٥) والتقدير: وإن خفتم شقاق الزوجين في الحالة التي بينهما فقد أضيف المصدر: {شِقَاقَ} إلى الظرف "بين" فهو مجاز عقلي علاقته المكانية.