معنى الفعل إلى المصدر الذي لا يلابسه ذلك المسند بل يلابسه فعل آخر من أفعال فاعله، ويمكن أن يقال: إنه يلابسه بواسطة حرف الجر فهو بعيد في ضلاله وأليم في عذابه، ف يدخل هذا النوع في المجاز العقلي بمعناه عند الخطيب على هذا التقدير.
الملابسة الرابعة مما لم يذكره الخطيب في الإسناد بين المبتدأ والخبر، كقوله تعالى:{وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى}(البقرة: ١٨٩)، ومنه قول الخنساء:
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت ... فإنما هي إقبال وإدبار
يقول عبد القاهر في بيان المجاز العقلي في هذا البيت: إنها لم ترد بالإقبال والإدبار - يعني بناقتها - غير معناهما حتى يكون المجاز في الكلمة، وإنما المجاز في أن جعلتها لكثرة ما تقبل وتدبر كأنها تجسمت من الإقبال والإدبار. ولا يرتضي عبد القاهر أن يكون بيت الخنساء من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه وإن كانوا يذكرونه من هذا الباب؛ لأننا إذا قلنا: فإنما هي ذات إقبال وإدبار أفسدنا الشعر على أنفسنا، وخرجنا إلى شيء مغسول وكلام عامي مر ذ ول. انتهى كلام الشيخ عبد القاهر في (الدلائل).
وهكذا استطاع عبد القاهر بحسه المرهف وذوقه الرفيع وخياله الخصب، أن يوضح المجاز في هذا البيت محتكمًا إلى الذوق الأدبي وحده، وانتهى إلى أن ما أرادته الخنساء من المبالغة في تصوير الحزن والحيرة لا يتأتى إلا بالتجوز في هذا الإسناد، وقد جاء تعريف عبد القاهر للمجاز العقلي جامعًا لكل هذه الملابسات والنسب الإسنادية؛ فقد عرفه في (أسرار البلاغة) بقوله: هو كل جملة أخرجت الحكم المفاد بها عن موضعه في العقل بضرب من التؤول. فهو يعم إسناد الفعل أو ما في معناه وإسناد الخبر إلى المبتدأ أيضًا؛ كما رأينا في قول الخنساء السابق.