للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وغالبًا ما يكون ذلك في مقامات المدح والفخر، وانظر مثلًا إلى قول طريف بن تميم:

أو كلما وردت عكاظ قبيلة ... بعثوا إليَّ عريفهم يتوسم

العريف: هو القيم الذي يقوم بأمر القوم، يقول: إنه شجاع مِقدام، له موقف مع كل قبيلة، فالقبائل جميعها تطلبه، وكلما وردت سوق عكاظ قبيلة بعثوا عريشهم يتفرس الوجوه، ويتوسمها؛ لعله يهتدي إليه فيثأر منه، وتلاحظ أن الشاعر قد استخدم الفعل المضارع يتوسم؛ لإفادة التجدد والحدوث. فالعريف دائم المراجعة والتأمل، وإعادة النظر في وجوه القوم، يحدث منه التوسم شيئًا فشيئًا، ولو قال: بعثوا إليَّ عريفهم متوسمًا لَمَا تحققت هذه الإفادة، ولما كان هناك إشعار بحالة التجدد هذه.

ومن ذلك: قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} (فاطر: ٣). فالرزق من الله متجدد مستمر، يتجدد بتجدد العباد، لا ينقطع ولا يزول. وهذا يلائمه التعبير بالفعل: {يَرْزُقُكُمْ}، ولو قيل: هل من خالق غير الله رازقكم، لما أفيدت هذه الإفادة.

ومنه: قول الله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} (الرعد: ٣٩). وقوله -عز وجل-: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} (ص: ١٨). فالمحو والإثبات يتجددان، وهما مستمران. وتسبيح الجبال يحدث آنًا بعد آن، ويقع حينًا بعد حين، وهذا يناسبه التعبير بالفعل الذي آثره النظم الكريم: {يَمْحُو}، {يُثْبِتُ}، {يُسَبِّحْنَ}.

وعندما يورد المتكلم المسند اسمًا فإنه يقصد به إفادة الثبوت والدوام، وذلك يكون بمعرفة السياق وقرائن الأحوال. إذ الاسم يدل على الحدث مجردًا من

<<  <   >  >>