قبل المنصوب. فلا يقال: أما فهدينا ثمود؛ لأنه لا يتأتى أن يقدر المفسر قبل المنصوب. فلا يقال: أما فهدينا ثمود، ولكون تقديم المعمول على عامله يفيد غالبًا الاختصاص، كان من الخطأ أن تقول: ما زيدًا ضربتُ ولا غيره؛ لأن تقديم المفعول وإيلاءه أداة النفي أفاد نفي الضرب عن زيد وإثباته لغيره، فقولك: بعده ولا غيره يناقضه ويدفعه أي: أن عجز الجملة يتناقض مع صدرها.
ونحوه قوله: ما بهذا أمرتك ولا بغيره؛ لأن قولك: ما بهذا أمرتك أفاد نفي الأمر عن الجار والمجرور المقدم وإثباته لغيره، وقولك بعده: ولا بغيره يناقضه، والصواب أن يقال: ما ضربت زيدًا ولا غيرَه، ما أمرتك بهذا ولا بغيره، بدون تقديم أو يقال: ما زيدًا ضربت ولكن أكرمتُ؛ لأن تقديم المفعول أفاد نفي الضرب عن زيد وإثباته لغيره. وقولك: ولكن أُكرمك، رجوع عن إثبات الضرب لغير زيد، فالصواب أن تقول: ما ضربت زيدًا ولكن أكرمته، أو تقول: ما زيدًا ضربت ولكن عمرًا، وهو مبني -كما قلنا- على إفادة التقديم للاختصاص.
وتأمل مع ما ذكرنا قول الله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}(البقرة: ١٤٣). فإنك تجد: أن الجار والمجرور قد أُخِّر على شبه الفعل في قوله: {شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}، وقدم عليه في قوله:{عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}؛ وذلك، لأن الغرض في الأول إثبات شهادتهم على الأمم دون إفادة اختصاصهم بتلك الشهادة، وفي الثاني المراد إفادة اختصاصهم بكون الرسول -صلى الله عليه وسلم- شهيدًا عليهم وليس مجرد إثبات شهادتهم.
يقول الزمخشري في (الكشاف): وروي أن الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء، فيطالب الله الأنبياء بالبينة على أنهم قد بلغوا -وهو أعلم- فيؤتى