للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما تجدُ أن جملة: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا} (البقرة: ٩) جاءت مؤكِّدة لجملة: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} (البقرة: ٨) لأن من يُضمر خلاف ما يُظهر فإنه يخادع، وانظر إلى قوله عز وجل: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا} (لقمان: ٧) تجد أن جملة: {كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا} جاءت مؤكدة لجملة: {كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا}؛ لأن معنى {كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا} أنه لم يسمعها مصادفة أو قصدًا لعدم سماعها، ومعنى الثانية: أنه لم يسمعها لفساد سمعه، فلما كانت الثانية مقرِرة ومؤكدة للأولى تُرك العطف لما بينهما من كمال الاتصال.

وعلى ما ألمحنا: فإن الجملة الثانية المؤكدة للأولى، إما أن تكون بمثابة التوكيد اللفظي وهو ما يكون مضمون الجملة الثانية فيه مؤكدًا لمضمون الجملة الأولى لاتفاق مفهوميهما كما رأينا في قوله: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} (الطارق: ١٧) وكما في الآية الكريمة: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} (البقرة: ٢) فجملة {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} يتفق مفهومها مع جملة {ذَلِكَ الْكِتَابُ}؛ لأن الكمال فيهما كمالٌ في الهداية كما رأينا، وإما أن تكون الثانية مُنزّلة من الأولى منزلة التوكيد المعنوي، وهو أن يختلف مفهوم الجملتين، ويكون معنى الثانية مقرِرًا لمعنى الأولى على نحو ما رأينا في الشواهد المذكورة، وهذا يعني أن الجملة الثانية تَتضمن معنى جديدًا ولكنه يؤكد معنى الأولى.

وتأمل قوله في الآية التي ذكرناها: {كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا} (لقمان: ٧) تجد أن الجملة الثانية تحمل معنى جديدًا يخالف معنى الأولى، ولكنه يؤكده ويقرره، ومثله: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} (البقرة: ٢) فجملة {لَا رَيْبَ فِيهِ} تحمل معنى جديدًا هو نفي الريب عن القرآن، وهذا المعنى يُؤكد ويقرر معنى الجملة الأولى {ذَلِكَ الْكِتَابُ}.

<<  <   >  >>