للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن أقوالهم في هذا قول المتنبي:

وما الدهر إلا من رواة قصائدي ... إذا قلت شعرًا أصبح الدهر منشدًا

فالشطر الأول لم يعطف على الشطر الثاني؛ لأنهما قد اتحدا في المعنى واللفظ، ومن ثم فلا حاجة إلى وصلهما بالواو لقوة الرابطة وشدة الاتصال بينهما. الصورة الثانية: أن تكون الجملة الثانية مُنزلة من الأولى منزلة بدل الكل أو البعض أو بدل الاشتمال. من ذلك قوله تعالى: {وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} (الشعراء: ١٣٢ - ١٣٤) فقد فُصِلت الجملة الثانية {أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ} عن الأولى {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ}؛ لأن الثانية بمثابة بدل البعض من الأولى؛ حيث إن النعم الأربع المذكورة بعضٌ من النعم التي يعلمونها، فبين الجملتين ترابطٌ قوي وكمال اتصال لا تحتاج معه إلى ربط بالواو، ومثل ذلك قوله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} (الرعد: ٢) فقوله: {يُفَصِّلُ الْآيَاتِ} بدل بعض من قوله: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ}؛ لأن تدبير الأمر يشمل تفصيل الآيات وغيره.

وخذ قوله تعالى: {بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ * قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} (المؤمنون: ٨١، ٨٢) تجد أن الجملة الثانية بمثابة بدل الكل من الجملة الأولى، وقوله عز وجل: {قَالَ يَا قَوْم اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (يس: ٢٠، ٢١) فُصِلت فيه الجملة الثانية: {اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا} (يس: ٢١) عن الأولى: {اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} لأن الثانية بمنزلة بدل الاشتمال من الأولى؛ إذ المراد من الأولى حمل المخاطبين على اتباع الرسل، والجملة الثانية أوفى بهذا لأن معناها: لا

<<  <   >  >>