فقد أثار صدر البيت سؤالًا تقديره: أكذبنا أم صدقنا؟ فأجيب: كذبتم في زعمكم، وقد حُذف هذا الجواب وأقيم قوله:"لهم إلف وليس لكم إلاف"، مقامه لدلالته عليه. ويجوز اعتبار قوله:"لهم إلف وليس لكم إلاف"، جوابًا لسؤال اقتضاه الجواب المحذوف، وكأنه لما قيل: كذبتم، قالوا: لم كذبنا؟ قال: لهم إلف وليس لكم إلاف، فيكون في البيت على هذا استئنافان، ويجوز أن يكون الفصل في البيت لشِبه كمال الانقطاع. وقد يُحذف الاستئناف كله لدلالة السياق عليه، كقوله تعالى:{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ}(الذاريات: ٤٧، ٤٨) أي نعم الماهدون نحن، وقوله عز وجل:{إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}(ص: ٤٤) أي نعم العبد أيوب.
هذا، وقد تأتي الجملة الواقعة موقع الجواب بالفاء أو الواو، وتسمى الفاءُ حينئذ بفاءِ الاستئناف، وكذا الواو تسمى بواو الاستئناف، ولكن الاستئناف بهما يختلف عن الاستئناف البياني؛ لأن الاستئنافَ بالواو يُؤذن باستقلال الكلام وانفصاله، إذ يكون المراد عطف القصة على القصة أو عطف جمل مسوقة لغرضٍ على جمل مسوقة لغرضٍ آخر، ومن ذلك قوله تعالى:{يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}(سبأ: ٣١ - ٣٣) حيث جاءت الآية الثانية بدون الواو، فأفاد ذلك أنها متولَّدة عن الآية الأولى إذ وقعت جوابًا لسؤال تضمنته، وجاءت الآية الثالثة بالواو، فآذنت بالاستقلال، وصار الكلام معها من قبيل عطف القصة على القصة.