للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وانظر إلى قول أبي تمام:

لا تُنكري عطل الكريم من الغِنا ... فالسيل حربٌ للمكان العالي

تجد أن الفاء قد جعلت الكلام مرتبًا بعضه على بعض، وخذْ قوله تعالى: {قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ * فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} (القصص: ٢٣ - ٢٥) تجد أن الفاءات {فَسَقَى لَهُمَا} {فَقَالَ رَبِّ} {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا} قد جعلت الكلام مرتبًا بعضه على بعض، أما الاستئناف البياني فالكلام فيه يتولد بعضه من بعض؛ إذ ينبعث من الجملة الأولى سؤالٌ وتقع الثانية جوابًا له، فالثانية مرتبطة بالأولى ارتباط الجواب بالسؤال، وهو ارتباط داخلي وثيق، وليس ارتباطًا لفظيًّا ظاهرًا، كما في الاستئناف بالفاء، ولا استقلالًا وتباينًا كما في الاستئناف بالواو.

رابع مواضع الفصل بين الجمل: شبه كمال الانقطاع، وقد عرفوه بقولهم: أن تكون الجملة مسبوقة بجملتين، يصح وصلها بالأولى منهما؛ لوجود المناسبة التي تُسوّغ الوصل، ولا يصح عطفها على الثانية، فيُترك العطف دفعًا لتوهم العطف على الثانية، وتُصبح الجملة الثالثة بمنزلة المنقطعة عن الأولى لهذا الحائل. من ذلك قول الشاعر:

وتظن سلمى أنني أبغي بها ... بدلًا أراها في الضلال تهيم

فقد فصل جملة "أراها في الضلال" عن الجملة الأولى "تظن سلمى"؛ لأن عطفها عليها يُوهم أنها معطوفة على جملة "أبغي بها بدلًا"، فتكون بهذا من مظنونات

<<  <   >  >>