للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبصفة عامة: فإن الإنتاج الأدبي والفكري والعلمي لنجيب الكيلاني يتسق تمامًا مع تكوينه الإنساني؛ فأدبه وفكره وعلمه جميعًا تصب في نهر الخير والفضيلة والنهضة. وهي معالم تميز شخصيته وتطبعها بطابع المودة والتسامح والإرادة الصلبة. إنه محب للخير في كل زمان ومكان، وباحث عنه بالوسائل المتاحة، وكان يعي جيدًا أن الخير هو المنتصر مهما كانت قوة الشر وجبروته، ولعل هذا يفسر سر تحول الكثير من شخصياته، وانتقالها من عالم الجريمة إلى عالم الفضيلة، وهو انتقال فطري عفوي تلقائي، ويأتي بطريقة فنية محكمة لا افتعال فيها ولا تكلف. ثم إنه كان متسامحًا، ولا ينظر للوراء، ولا يختزن كراهية ولا عداوة لأحد، بل إنه يجعلك في بعض الأحيان تأسى من أجل بعض الأشرار دون أن تحقد عليهم، لقد منحته قيم الإسلام روحًا طيبة، خصبة، تعطي وتثمر حتى في أحلك اللحظات. وكان يوقن في كل الأحوال أن الجزاء عند خالق العباد وليس عند العباد. ومن هنا نستطيع أن نفهم لماذا آثر الإنتاج على الدعاية، والإبداع على الشهرة، ومع أن كثيرين أقل منه موهبة ومكانة طارت بصيتهم الركبان الإعلامية، فإنه لم يشعر بأدنى أسف على تجاهله في الحياة الأدبية المعاصرة، وكان حريصًا على أن يذكر لي أن بعض رواياته تجاوزت في طبعاتها المائة ألف نسخة، وهو رقم غير قليل إذا عرفنا أن متوسط توزيع الرواية عند المشاهير في حدود خمسة آلاف نسخة فقط.

لقد أعطى الكيلاني الكثير، وأغدق الكثير على من يستحق، ومن لا يستحق، وكان مؤلما لي بصفة خاصة أن من لا يستحق تنكَّر له، ولم يف بجزء بسيط مما كان ينبغي أن يقدم للرجل. لقد طلب أحدهم مبلغا ضخما ليشارك بمقالة عنه في عدد خاص تصدره مجلة إقليمية محدودة الانتشار. ورحل الرجل

<<  <   >  >>