للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بمرور الزمن ومتابعة نماذج شعرية متميزة فيه أن اطمأنوا إليه وكفوا عن قياسه إلى القديم، وأخذوا يتذوقونه بمعايير جديدة مستمدة من نظريته التي بينها النقاد، ومن نماذجه التي أبدعها الرواد من الشعراء. وقد أعانهم على ذلك التحول من موقف الخصومة الحادة إلى موقف القبول أنهم أدركوا بعد أن زالت صدمة المواجهة الأولى أن الصلة لم تكن مقطوعة بين التراث والنماذج الجيدة من ذلك الشعر في مرحلته الباكرة، وأن رواده الأوائل قد بدأوا حياتهم الشعرية في الشكل العمودي المألوف، وإن جاءت قصائدهم ذات طابع عصري في التجربة والمعجم والصورة الفنية بوجه عام. وهكذا ظلت نماذجهم الأولى من الشعر الحر محتفظة بشيء غير قليل من سمات الشعر العربي قبل ظهور ذلك الشكل الجديد.

وتلا جيلَ الرواد جيلٌ آخر ساروا بتجربة التجديد إلى مدى أبعد، وخلا شعرهم من عثرات التجربة الأولى، وبدا أقل حفاظًا على مقومات الشعر العمودي ليصل إلى "صيغة" شعرية جديدة لا تخلو من امتداد للتراث لكنها تحاول أن تبتكر لنفسها أسلوبها الخاص وإيقاعها المتميز.

وعاشت النماذج الجيدة في ذلك الشكل الجديد جنبًا إلى جنب مع القصيدة العمودية العصرية، وإن زاد شعراؤه يوما بعد يوم، وزاد إقبال الناس على نماذجه حتى كاد يطغى لدى شباب القراءة على الشكل القديم، وإن ظلوا يطربون لإيقاع القصيدة العمودية إذا كانت ذات طابع حديث متميز ولم تكن مجرد تقليد نمطي للشعر العربي القديم.

على أن طائفة من هؤلاء الشعراء في الوطن العربي كله تجاوزت تجديد جيل الرواد ومن تلاهم إلى ضروب من التجريب والتجديد التي تواجه قارئ الشعر

<<  <   >  >>