بنماذج من طراز غريب عليه، يثير في نفسه كثيرًا من القلق والعجب، وينسب هؤلاء الشعراء أنفسهم -وينسبهم النقاد- إلى ما أصبح يعرف بالحداثة ويتميز عن اتجاهات الشعر الحر الأولى سواء في طبيعة التجربة أم الصور الشعرية.
أما التجربة فارتدَّت -في أغلب الأحوال- من الواقع الخارجي إلى العالم النفسي الباطني للشاعر، فأصبح الواقع الخارجي مجرد "مثير" لما يختزنه عقله الباطن من ذكريات وتجارب. وأما الصور فتمثلت في معجم شعري جديد قد يستخدم الشاعر فيه الألفاظ في غير معناها المألوف، وقد يصوغ منها مشتقات جديدة، وقد يورد عن قصد ألفاظا هي عربية في الأصل ولكنها أصبحت لصيقة بالعامية. كما تمثلت في بناء خاص للعبارة يخرج في كثير من الأحيان على منطق اللغة ليستجيب لطبيعة التجربة الباطنة ومنطقها الخاص الذي يقوم على أوهى الروابط، أو يقفز من خاطرة إلى خاطرة ومن إحساس إلى إحساس بأسلوب "التداعي الحر" للمعاني والألفاظ. وقد يبني الشاعر بعض عباراته وصوره على مقتبسات من التاريخ أو الأسطورة أو المعاني الصوفية أو الدينية.
وكلما اهتدى الشاعر إلى اقتباس جديد أسرع الشعراء الآخرون فأخذوه عنه، حتى تشابهت أشعارهم في كثير من الأحيان، وقلت فيها الأصوات المتميزة بسمات وخصائص معروفة.
ومع أن إضفاء دلالات على الألفاظ وبناء العبارة على نحو مبتكر هما من الغايات الأولى لأي شعر أصيل، فإن الأمر عند هؤلاء الشعراء يتجاوز الحد المقبول في كثير من الأحيان ليبدو في صورة حذلقة لغوية أحيانًا أو يبدو عبثًا أسلوبيًّا وسعيًا مقصودًا وراء الغموض المغلق الذي لا يشف عن معنى أو