رواية أو قصة، أو أداء بارع في التمثيل لمشهد أو شخصية أو موقف. بل لقد أصبحت تلك النزعة الشعرية الفطرية تكتفي أحيانًا بمناظر طبيعية جميلة مصورة يصاحبها شيء من الموسيقا التصويرية الجميلة.
ولا يعود إيثار الناس للقصة والرواية إلى أن الفن القصصي فن محافظ لا يواجه القراء بما يواجهونه في الشعر من تجديد. ففي الوطن العربي نهضة قصصية مرموقة ذات ثمار مختلفة طيبة لا تنقصها الحداثة، لكن أصحابها لا يتعالون على القراء كما يفعل شعراء الحداثة، ولا يتجاهلون قضايا العصر ومشكلاته ونماذجه البشرية، وهم على اختلاف حظوظهم من الحداثة أقرب إلى نفوس القراء من شعراء التجريب والتجريد، ومع ذلك فهم أكثر تواضعًا وأخفض صوتًا وأقل اتهامًا للقراء والنقاد.
ولعل الإحساس الغامض بأزمة شعرية كان من وراء اتجاه بعض الأدباء إلى ما أسموه "قصيدة النثر" مقتبسين اسمها وطبيعتها من الآداب الأوروبية، إلى جانب تأثرهم بمفهوم خاص للشعر لا يتقيد بمعاييره الشكلية المعروفة، ولعلهم قدروا أن ذلك الشكل الذي يجمع بين الشعر والنثر قد ينفذ بالشعر من تلك الدائرة الضيقة إلى جمهور أوسع من المتلقين.
وقد عرف النثر العربي الحديث نماذج كثيرة قريبة من قصيدة النثر عرفها الناس باسم "النثر الفني"، ولم يزعم أصحابها أنهم يكتبون "قصائد نثرية" ويعترض كثيرون على هذه التسمية -لا لمجرد أنها تخلط بين الشعر والنثر - ولكن لما قادت إليه من محاكاة مقصودة لبعض مقومات شعر الحداثة، فاتجهت قصيدة النثر إلى التجريد والغموض، والخروج على العرف اللغوي خروجًا يشبه الطفرة المفاجئة، ومهما يكن الرأي في غموض شعر الحداثة وجرأته المسرفة على اللغة فإن في بعض نماذجه المقبولة عناصر شعرية تكسبه قدرة على الإيحاء دون