بها أصحابها- على المواهب الأصيلة والنماذج المتم يزة في الشعر الحر، تلحق الأذى بالحركة الشعرية كلها وتكاد تصرف محبي الشعر عنه جميعا. وقد أصبحت تلك الحقيقة شيئًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، فأخذت دائرة المتلقين تضيق يومًا بعد يوم، ولم يعد للشعر من منفذ إليهم إلا في أمسية شعرية أو مهرجان شعري يستمعون إلى الشعر فيه من خلال إطار من "السمر الاجتماعي"، ويحاول الشعراء أن يصلوا إلى وجدان المستمعين بحسن الإلقاء والتمثيل ويستجيب الحاضرون بشيء من المجاملة المفروضة. ثم ينفضُّ السامر ولا يبقى منه في نفوس من حضروه إلا نثار من جمل شعرية هنا أو هناك أو بقايا من دعابات وحوار بين الأصدقاء. وقد يكون في الأمسية نماذج شعرية طيبة يضيع صداها في ضجيج الحلقات اللغوية والإلقاء التمثيلي، ويخبو وهجها أمام ظلمة الغموض والتعقيد.
وهؤلاء الشعراء حين يتجاهلون ميول المتلقين وطبيعة البيئة والعصر يتجاهلون في الوقت نفسه حقيقة تفرض نفسها على كل من يحرص على وجود الشعر ومستقبله وعلى بقاء الصلة بين مبدعيه ومتلقيه. فقد أصبح من الواضح لمن يتابع حركة الأدب في المجتمع العربي في السنوات الأخيرة أن الشعر لم يعد له مكان الصدارة بين فنون القول، وأن وجوده أخذ في الانحسار أمام الفن القصصي والفن التمثيلي. ويؤثر أغلب الناس في هذه الأيام أن يقرءوا رواية عصرية قصيرة أو مجموعة من القصص أو يشاهدوا تمثيلية أو مسلسلًا على أن يقرأوا ديوانًا من الشعر يواجهون فيه ما لا طاقة لهم به من تجريب لغوي وأسلوبي وتجارب باطنية غامضة بعيدة عن همومهم وعن طبيعة العصر الذي يعيشون فيه. وإذا كان في نفس أغلب الناس نزعة فطرية إلى الشعر فقد أصبح يرضيها حوار شعري في مشهد تمثيلي، أو وصف جيد لشخصية، أو موقف في