للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخصوصياتهم وأشجانهم؟ وقد وجد عشاق الأدب في هذه الخصوصيات أصداء لمشاعرهم، إلى المتعة الأدبية، وإلى جوانب من الإبداع، ترضي النفس والقلب والعقل؟

وأبادر فأقول: إنني لست من هؤلاء القادرين على الإمتاع والإبداع، ولكنني أجد في مثل هذه النفثات راحة نفسية هي راحة الإفضاء، وأحسبني أجد في هذه النفثة شيئًا آخر يهمني جدًّا، هو أن تكون أيضًا تحية لروح والدتي، التي جاهدت كثيرًا، واحتملت كثيرًا، وضحت كثيرًا، لكي يكون هذا القلم الواهن قادرًا على شيء من التعبير.. إذن فلتكن هذه الكلمة لمسة وفاء معلنة لها.

ولا يعني هذا بطبيعة الحال أن تكون أمي قد روضت حروفي ... كلا.. فلم تكن قد نالت حظًّا من التعليم، فشأنها في ذلك شأن جيلها، الذي لم يتجاوز الكتاب الذي حفظت فيه بعض قصار السور، ثم انبترت صلتها بالحرف، فلم تعد تدرك منه شيئًا، وإن ظلت طوال حياتها المديدة وثيقة الصلة بثقافة السماع، تأخذ وتروي، وقد تبدع.

لقد روضت قلمي بمؤازرتها الفذة.. بوقوفها بكل قواها إلى جواري، في كل تلك الظروف الصعبة التي أحاطت بنشأتي صبيًّا فقيرًا، يقف وحيدًا تجاه قسوة الحياة إلا من حنانها وثباتها وصبرها وجهادها.. أليس من حق هذه الأم المجاهدة الصابرة، أن أقول عنها كلمة هي بعض واجب هذا القلم، الذي كان لها الفضل الكبير في ترويضه؟

<<  <   >  >>