للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم أليس من حق قرائي عليّ أن يعرفوا من كان يقف ورائي، لأكون هذا الذي كنت، مع التحفظ الشديد عند هذا التعبير.. ورحم الله امرءًا عرف قدر نفسه!

كانت أمي كلَّ دنياني، كما كنت كل دنياها، فقد كنت وحيدها إلا من أختين، كما كنتُ شجرةً مفردةً في البرية.. ليس لي أعمام ولا أخوال، كما فقدت عطف أبي وأنا صغير.. وفي وقت كنت في أمس الحاجة إلى مساندته، أقول: فقدت عطفه، ولم أفقده!

لقد فرَّقت ظروف قاسية بين والدتي ووالدي، وكان في ذلك بدء لمرحلة شقاء أليمة بالنسبة لي، اضطررت بعدها أن أعتمد على أمي في تأمين حياتي، وحياة الأسرة الصغيرة التي تضمنا.

كان البؤس يحيط بنا من كل جانب، ولكني وجدت أمامي شخصًا صلب العزيمة، ثابتًا، جلدًا، مثابرًا، كان هذا الشخص هو أمي.. لقد استمدت من ضعفها قوة عجيبة، وصنعت المستحيل لكي تؤمِّن لنا، ولو أدنى مستوى ممكن من العيش بما كانت تبيعه من منسوجات نسوية لم تكن تُدِرُّ إلا القليل.

كنت في مفترق طريق صعب جدًّا.. وأنا بعد في حوالي الثالثة عشرة من عمري، فإما أن أفارق الدراسة لألتمس عملًا يؤمّن حياتنا، وأستطيع أن أضع حدًّا لمتاعب والدتي، فقد كنت أحس بما تعاني من شقاء جسمي ونفسي.. وهي تحاول أن تعول هذه الأسرة، وإما أن أواصل دراستي، ولو

<<  <   >  >>