إنني اليوم أبحث عن تلك الكلمة، كلمة الاعتذار عن هذا العِيِّ، وعن هذا الوجوم، لو اعتصرت عمري كله دموعًا لأبكيك يا أمي، لما وفيت بحق دمعة واحدة من عينيك الغاليتين، انسكبت ذات يوم من أجلي.. وكم سكبت من أجلي من دموع!
كانت الأسفار -وأنا بها مولع- تأخذني منك كثيرًا، وتذهب بي بعيدًا.. وكثيرًا ما كنت أجد نفسي سعيدًا وأنا أستقبل رحلة جديدة أطل بها على العالم. ولكنك كنت كلما جد لي للرحيل عزم، تستقبلين عالمًا من الأحزان، وتشرق عيناك بالدموع، ولكنني كنت في كل مرة أعلل النفس بأن ألقاك على ما أحب وتحبين، وإن كنت في الأيام الأخيرة قد أصبحت أقل تفاؤلًا، يخامرك شعور غريب أنني لن أكون جوارك.. حينما يحين موعد رحلتك البعيدة.
وهكذا كان، فقد رحلت وكان بيني وبينك آلاف الأميال حيت فقدت الأمل في أن ألقي عليك النظرة الأخيرة، لولا أن رحمة الله كانت أوسع لي ... فاستدعاني شوقك، واستجاب الله دعاءك، فأتاح لي أن أقبل جبينك الوضيء في نظرة أخيرة.
فلم يكد أخي معالي الشيخ أحمد ذكي يماني يعلم بمحنة وجودي بعيدًا جدًّا عنك، حتى وضع بين يدي -جزاه الله أوفى الجزاء- بساطًا من بسط الريح، تقلني في ساعات، فإذا أنا بين يديك.. فإذا بي إلى جوار جثمانك الحبيب، وإذ بي من جملة المصلين عليه، الواقفين على ثراه.
يرحمك الله يا أمي، رحمة عباده الأبرار، وجمعني الله بك في دار القرار مع الصالحين والأخيار.