وهذه العبارة دارجة على ألسنة الكثيرين، وربما قالها من لم يجرب الغربة أصلًا، لكني أرى أن الغربة خالفت القاعدة، وأذاقتني شيئًا غير المرارة أجهل طعمه، وأعطتني ما لم تعطه لأحد؛ لأنها بالمقابل أخذت مني ما لم تأخذه من أحد، فهي في هذه الحال أنصفتني!
فالغربة علمتني ما لم أتعلمه في مقاعد الدرس أو في صفوف الحياة؛ إذ لها الفضل في تعليمي كيف أضحك بعيون دامعة، وكيف أبتسم فرحًا بقلب حزين، وكيف أداري جراحي بالكي لا بغيره، علمتني كيف أتكلم دون أن أنطق، وكيف أنطق دون أن أعبر، وكيف أحسب الزمن دون انتظار شيء، وكيف أضيء ليلي بذكريات سوداء!