وغير هذه الدلائل من الطبيعة الملموسة، كالأفق الذي لا يحلق فيه إلا القوي من الطيور.
كل ما مضى يحسب للشاعر كما يحسب له فنيته المتفوقة، وتصويراته للطبيعة بحاسة فنية جميلة أشاد بها دارسو شعره، كما أجاد في عرض الفكرة التي ملأت نفسه واستطاع أن يقنع بها غيره.
ولكن كما أعطينا الشاعر حقه في الإشادة بالجميل الذي أتى به، فإننا نرى أن الشاعر قد جانب الصواب فيما يتصل بالفكر والعقيدة، أو ما يتصل بالأسلوب الذي عرض به الفكرة.
استفتح الشاعر قصديته بالفكرة العامة التي أراد إيصالها، ولكنه وقع في خطإ فادح عقديًّا، حينما جعل القدر ذا استجابة وإرادة من خلالها ينصاع للشعوب المريدة للحياة والحرية فيحقق لها ما تريد، ونسي الشاعر أو تناسى في خضم مشاعره الخيالية أن القدر بيد الله سبحانه وتعالى وحده، يصرفه كيف يشاء، على ما يريد، هو المقدر وحده وهو الآمر الناهي، لا شريك معه في حكمه. صحيح أن الحق هو المنتصر في النهاية لكن متى هذه النهاية؟ متي تحصل؟ هذا ما يقدره الله سبحانه ويتصرف فيه، فقد يحصل في القريب، وربما بعد أجيال عديدة، وليس وقت ما أراده الناس وثاروا لتحقيقه. نعم العمل واجب، والجد والكد مطلوبان، ولكن النتيجة ليست بأيدي الشعوب، إنها بيد الواحد الأحد الفرد الصمد عز وجل.
وعلى أثر هذا الخطأ ثار الناس وبخاصة المتدينون منهم على أبي القاسم؛ لأن الشاعر ولو لم يعتقد أو لم يدرك أبعاد هذا القول فإن عليه البعد عن المساس