قال الله لخيار المؤمنين:{وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ}[الحجرات: ٧] .
فلم يقل: فإن الله أجبرهم على الإيمان إلى آخره.
ولكنه تعالى لما علم حالة النفس وأنها ظالمة جاهلة أمارة بالسوء، لطف بالمؤمنين وحبب إليهم قلوبهم الإيمان وزينه فيها فانقادت إلى الخيرات باختيارها؛ لما جعل الله في قلوبهم من الأوصاف الجليلة.
ولما كره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، انصرفوا عنها؛ لكراهتهم لها وكان هذا لطفا وكرما منه.
وأما الآخرون: فلم يجعل لهم نصيبا من هذا اللطف، فانحرفوا باختيارهم وكانوا هم السبب لأنفسهم.
حيث كانت مقاصدهم فاسدة؛ وحيث عرض عليهم الخير فرفضوه واعترض لهم الشر والغي فاختاروه؛ فولاهم الله ما تولوا لأنفسهم: واللوم كله عليهم، والحجة البالغة لله على العباد كلهم:{قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}[الأنعام:١٤٩] .
وأزيدك إيضاحا وبيانا: أليس تفرق ويفرق كل أحد بين حركة المرتعش بغير اختياره؛ وبين حركة الباطش والكاتب باختياره؛ وتعلم أن الأخير فعل العبد حقيقة، والأول مقسور عليه، وما أشبه ذلك من الحركات التي من هذا النوع تفرق بين الحركة الاختيارية، والحركة الاضطرارية؟!