تعالى وحده هو ربهم وخالقهم، وأن الأرض ومن فيها لله وحده، وأنه رب السموات السبع ورب العرش العظيم وأنه سبحانه وتعالى هو الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه، وإنما كانت التسوية بينهم وبين الله تعالى في المحبة والعبادة، فمن أحب غير الله تعالى وخافه ورجاه وذل له كما يحب الله تعالى ويخافه ويرجوه، فهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله، فكيف بمن كان غير الله آثر عنده وأحب إليه وأخوف عنده وهو في مرضاته أشد سعيا منه في مرضاة الله، فإذا كان المسوي بين الله وبين غيره في ذلك مشركا، فما الظن بهذا، فعياذا بالله من أن ينسلخ القلب من التوحيد والإسلام، كانسلاخ الحية من قشرها، وهو يظن أنه مسلم موحد، فهذا أحد أنواع الشرك.
ثم ذكر النوع الثاني من الشرك وهو الشرك به تعالى في الربوبية، كمن جعل معه خالقا آخر كالمجوس وغيرهم، الذين يقولون أن للعالم ربين أحدهم خالق الخير والآخر خالق الشر.... إلى أن قال: وكثيرا ما يجتمع الشركان في العبد وينفرد أحدهما عن الآخر، والقرآن الكريم بل الكتب المنزلة من عند الله تعالى كلها مصرحة بالرد على أهل هذا الإشراك كقوله تعالى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، فإنه ينفي شرك المحبة والإلهية، وقوله {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، فإنه ينفي شرك الخلق والربوبية، فتضمنت هذه الآية تجريد التوحيد لرب العالمين في العبادة، وأنه لا يجوز إشراك غيره معه، لا في الأفعال ولا في الألفاظ ولا في الإرادات، فالشرك به في الأفعال كالسجود لغيره سبحانه وتعالى، والطواف بغير بيته المحرم، وحلق الرأس عبودية وخضوعا لغيره تعالى، وتقبيل الأحجار غير الحجر الأسود، وتقبيل القبور واستلامها والسجود لها، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من اتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، فكيف من اتخذ القبور أوثانا تعبد من دون الله تعالى، قال تعالى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، يحذر ما صنعوا، وفيه أيضا: "إن من شرار الناس من