للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن إفضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد, والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان, قال الله تعالى {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} ١.

فأخبر سبحانه وتعالى أن لا يوجد مؤمن ود كافرا, فمن واد الكفار فليس بمؤمن, فالمشابهة مظنة المودة فتكون محرمة. ا. هـ.٢

فإذا كان هذا الارتباط الوثيق بين الظاهر والباطن, فكيف يسوغ لهؤلاء الصوفية أن يفرقوا بينهما, ويجعلوا الظاهر قشرا, والباطن لبابا؟ إن هذا إلا إفك افترته الصوفية, وأرادت به هدم الشريعة الإسلامية, ولهذا يوجد في هذا العصر من يخالفون الشريعة الإسلامية, ويأخذون ببعض النصوص لإثبات عكس ما وضعت له, ويسمون الأشياء بغير أسمائها, لأنهم لا يتهمون ببعض الشرائع الظاهرة التي يسمونها شكليات أو قشور, ويدندنون حول التمسك باللباب, ولم يعرف سلفنا الصالح هذا التقسيم الباطل, ويصدق على هؤلاء المتصوفة قول الله تعالى {إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} ٣.

وهذا القول يلقى رواجا عند المتساهلين بأمر الدين, وإهمالا لظاهر الأعمال احتجاجا بصلاح الباطن, حتى إنهم يسمون المعاصي بغير أسمائها, فيقولون مثلا: إن إعفاء اللحية من سنن العادة, وقص الشارب من الأمور العادية التي لا صلة لها بتبليغ الرسالة, إلى غير ذلك مما يحرفون به الكلم عن مواضعه, فيستطيع الصوفي أن يأتي بكل منكر يريده, ثم يقول لمن ينكر عليه: هذا منكر في الظاهر, والظاهر كالقشر, وعندنا علم الباطن, والباطن لا يحرم هذا, ولهذا وقع بعضهم في استعمال الحشيش والمخدرات.

كما ذكر ابن عقيل –رحمه الله- أنهم فرقوا في زعمهم بين الشريعة والحقيقة, وأنهم استحلوا الحشيش المخدر, بل هم أول من اكتشفه


١ المجادلة: ٢٢.
٢ من المصدر السابق.
٣ النجم: ٣.

<<  <   >  >>