للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولو فرضنا أن صدرت من مثل هذا الرجل بعض الخوارق, فتفسيرها:

إما أن تكون من السحرة, أو ممن يستخدم الجان, لأن الجني إذا حصل مطلوبه من الإنس قد يقضي له بعض الحوائج, كأن يطير به في الهواء, أو يأتي له بفاكهة في غير أوانها, أو يخبره ببعض المغيبات.

فهذه الدعوى التي تدعيها الصوفية لا تروج إلا على الجهلاء.

أما قولهم: بلغوا من الصلاح ما يقر به الموافق والمخالف؟

فهذا غير مسلم, المخالف لا يقر, والموافق جاهل ليس له علم وتمييز يفرق به بين الحق والباطل, ولهذا يكون تابعا لكل ناعق, ومقلدا لكل جاهل, فليس في هذا حجة.

وقولهم: إنهم يبشرون بالزهد في الدنيا, والإقبال على الآخرة؟

فالزهد ليس هذا الزهد الذي تدعيه الصوفية, فالدنيا ما خلقها الله عبثا, بل جعلها مطية للآخرة, فسليمان عليه السلام كان ملكا ونبيا, ومع ذلك كان زاهدا, ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعظم الزهاد١, وأبو بكر وعمر وكثير من الصحابة –رضي الله عنهم- حتى من أغنيائهم كانوا زهادا, ومعنى الزهد أن لا يكون كل همك في الدنيا, بل تعطي للدنيا نصيبا وللآخرة نصيبا, قال الله تعالى {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} ٢.

كما ورد في الأثر: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا, واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا.


١ فقد قال صلى الله عليه وسلم: "ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وأتزوج النساء, فمن رغب عن سنتي فليس مني".
٢ القصص: ٧٠

<<  <   >  >>