هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} , ولو كان هذا الاعتقاد الذي ذكره المبتدعون نافعا لما أباح الله دماء المشركين وأموالهم, وأمر نبيه بجهادهم, كل ذلك لتحقيق معنى كلمة لا إله إلا الله, وأما كون المشركين كانوا لا يقولون لا إله إلا الله, فلأنهم كانوا يعتقدون أن الآلهة كثيرة, تلك الآلهة الباطلة التي يعبدونها من دون الله, ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " قولوا لا إله إلا الله" , قالوا: "أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب" وأما كون القبوريين يشهدون أن لا إله إلا الله, وأن محمدا رسول الله فصحيح, ولكن لم يعملوا بمقتضى كلمة لا إله إلا الله, وذلك أن لا إله إلا الله معناها إفراد الله بالعبادة, وأن العبودية محصورة في الله, وأن الآلهة غير الله باطلة, فلم يحققوا معنى لا إله إلا الله, ولم يعملوا بمقتضاها لأنهم لم يقصروا العبادة على الله, وكذلك لم يعملوا بمقتضى محمد رسول الله, لأن من شهد أن محمدا رسول الله وجب عليه أن يتبعه فيما أمر وينتهي عما نهى عنه وزجر, ومن أوامره صلى الله عليه وسلم, إذا سألت فاسأل الله ولم يقل اسأل نبيا أو وليا, وإذا استعنت فاستعن بالله, ولم يقل استعن بغير الله. لأن الله قال {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أي نخصك بالعبادة والاستعانة, ومن نواهيه لعن الله من ذبح لغير الله, والقبوريون يذبحون للأولياء وينذرون لهم, ولا شك أن النذر من العبادة والعبادة لا تصلح إلا لله, ومن إرشاداته صلى الله عليه وسلم أنه لما قال بعض الصحابة قوموا بنا نستغيث برسول الله من منافق كان يؤذيهم فقال النبي لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله, ومن نواهيه صلى الله عليه وسلم لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم, إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله, ولما قال بعضهم ما شاء الله وشاء محمد, قال أجعلتني لله ندا, قل ما شاء الله وحده.
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما نُزِلَ برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصه على وجهه, فإذا اغتم بها كشفها فقال وهو كذلك: " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" , يحذر ما صنعوا, ولولا ذلك لأبرز قبره, غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا.